الحرب في أوكرانيا على أعتاب الشتاء: توازنات جديدة بين موسكو وواشنطن في ضوء اتصالات بوتين ولقاءات ترامب وزيلينسكي

مع اقتراب فصل الشتاء، تدخل الحرب في أوكرانيا مرحلة حاسمة لا تقتصر على الجبهات العسكرية فحسب، بل تمتد إلى الساحة السياسية الدولية التي تشهد حراكًا متزايدًا. وتبرز في هذا السياق الديناميكيات المعقدة بين موسكو وواشنطن، والتي تتأثر بعوامل متعددة، من بينها التصريحات الروسية المفاجئة حول المفاوضات، والجدل الدائر في الولايات المتحدة حول مستقبل الدعم لكييف، والذي يمثله الدور المحتمل للرئيس السابق دونالد ترامب.

خلفية الصراع مع اقتراب الشتاء

يكتسب فصل الشتاء أهمية استراتيجية خاصة في هذا الصراع. ففي الأعوام السابقة، استغلت روسيا الظروف الجوية القاسية لتكثيف هجماتها على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، بهدف إضعاف الروح المعنوية للمدنيين وشل قدرات الجيش الأوكراني. وتستعد كييف هذا العام لسيناريو مماثل، معتمدة على أنظمة الدفاع الجوي التي قدمها حلفاؤها الغربيون، مع العمل على تأمين مصادر الطاقة البديلة وتجهيز قواتها لمواجهة تحديات القتال في البرد القارس.

على الصعيد الميداني، يسود الجبهات حالة من الجمود النسبي مع استمرار المعارك العنيفة في مناطق محددة شرق وجنوب البلاد. يعمل الطرفان على تعزيز خطوطهما الدفاعية وتجميع الموارد استعدادًا للمرحلة المقبلة، حيث يعيق الطقس السيئ العمليات الهجومية واسعة النطاق، مما يحول التركيز نحو حرب الاستنزاف والهجمات بعيدة المدى.

المشهد الدبلوماسي: مبادرات موسكو وترقب واشنطن

في الأسابيع الأخيرة، أطلق الكرملين إشارات متكررة حول استعداده للدخول في محادثات سلام، حيث صرح الرئيس فلاديمير بوتين في مناسبات عدة بأن موسكو منفتحة على الحوار. ومع ذلك، تقابل هذه التصريحات بتشكك كبير في العواصم الغربية وكييف، التي ترى فيها مناورة تهدف إلى زرع الانقسام بين حلفاء أوكرانيا وتصوير روسيا كطرف راغب في السلام. ويكمن جوهر الخلاف في الشروط المسبقة، حيث تصر موسكو على الاعتراف بـ "الحقائق الإقليمية الجديدة"، وهو ما ترفضه أوكرانيا بشكل قاطع.

في المقابل، تحافظ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على موقفها الثابت بدعم أوكرانيا "مهما استغرق الأمر"، مع التأكيد على مبدأ "لا شيء بخصوص أوكرانيا بدون أوكرانيا". وتواصل واشنطن تنسيق المساعدات العسكرية والمالية عبر تحالف دولي واسع، لكن هذا الموقف يواجه تحديات داخلية متزايدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

متغير ترامب وتأثيره المحتمل

يضيف الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو شخصية محورية في المشهد السياسي الأمريكي، بُعدًا من عدم اليقين إلى المعادلة. إذ يشتهر ترامب بتصريحاته المتكررة التي يزعم فيها قدرته على إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، ملمحًا إلى أنه قد يوقف المساعدات الأمريكية لكييف لإجبارها على التفاوض والتوصل إلى تسوية.

أثارت فكرة عقد لقاء محتمل بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جدلاً واسعًا. فمن جهة، قد يراها البعض فرصة لاستكشاف مسارات بديلة لإنهاء الصراع، لكن من جهة أخرى، يخشى محللون أن مثل هذا اللقاء قد يقوض السياسة الأمريكية الحالية ويُضعف الموقف التفاوضي لأوكرانيا، خاصة إذا تم خارج الأطر الدبلوماسية الرسمية. وتجد كييف نفسها في وضع دقيق، حيث تسعى للحفاظ على دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة.

تعرض أوكرانيا لضغوط متزايدة لتقديم تنازلات إقليمية كجزء من أي تسوية محتملة.
مواجهة خطر تجميد أو خفض حزم المساعدات العسكرية والمالية الحيوية لاستمرار المجهود الحربي.
احتمالية حدوث شرخ في وحدة الحلفاء الغربيين، حيث قد تتردد بعض الدول في مواصلة الدعم بدون قيادة أمريكية واضحة.

خلاصة وتوقعات مستقبلية

في الختام، يبدو أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل الحرب في أوكرانيا. فبينما يستعد الجانبان لمواجهة تحديات الشتاء العسكرية، تتشكل على الساحة السياسية معركة لا تقل ضراوة. إن التفاعل بين إشارات موسكو الدبلوماسية، والسياسة الداخلية الأمريكية المتقلبة التي يجسدها دور دونالد ترامب، سيحدد بشكل كبير مسار الصراع وطبيعة أي حلول مستقبلية. وتظل كييف وحلفاؤها في حالة ترقب، مدركين أن التوازنات بين واشنطن وموسكو قد تشهد تحولات جذرية في المستقبل القريب.