ناهد صلاح: أفلام الدورة الثانية لمهرجان الفيوم تستكشف التحولات البيئية

أكدت الناقدة ناهد صلاح، المديرة الفنية لمهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة، مؤخرًا (في منتصف أكتوبر 2024) على الدور الحيوي للسينما في استشراف وفهم التحولات البيئية العالمية. ويأتي هذا التصريح في سياق الاستعدادات الجارية للدورة الثانية من المهرجان، الذي يسعى لتجاوز المفهوم التقليدي للسينما كوسيلة ترفيه بحتة، ليقدمها كأداة معرفية عميقة وقوة دافعة للتغيير المجتمعي.

خلفية المهرجان وتأسيسه

يمثل مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة مبادرة فريدة تهدف إلى إلقاء الضوء على القضايا البيئية الملحة من خلال عدسة الفن السابع. تأسس المهرجان بهدف خلق منصة تجمع بين المبدعين السينمائيين والخبراء البيئيين والجمهور العام، لتعزيز الوعي بالقضايا البيئية التي تؤثر على كوكبنا. وقد حققت الدورة الأولى من المهرجان نجاحًا ملحوظًا في ترسيخ هذه الرؤية، مقدمة مجموعة متنوعة من الأفلام التي تناولت تحديات بيئية مختلفة وألهمت حوارات هامة.

تُعد محافظة الفيوم بحد ذاتها موقعًا ذا أهمية بيئية وجغرافية استثنائية، بما تحتويه من واحات فريدة وبحيرات وبقايا جيولوجية وتاريخية تعكس التفاعل البشري مع البيئة عبر العصور. هذا السياق الطبيعي والتاريخي يجعل من الفيوم حاضنة مثالية لمهرجان يركز على العلاقة بين الإنسان والبيئة، ويعزز التفكير في الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية.

رؤية ناهد صلاح وأهداف الدورة الثانية

توضح ناهد صلاح أن المهرجان في دورته الثانية يجدد التزامه بتقديم السينما كأداة لا غنى عنها في «قراءة العالم وتغييره». وتركز هذه الدورة بشكل خاص على مفهوم «التحولات البيئية»، وهو مصطلح شامل يغطي مجموعة واسعة من التغيرات التي تشهدها الأنظمة البيئية العالمية والمحلية. وتشمل هذه التحولات:

تغير المناخ: من خلال استعراض آثاره على المجتمعات والنظم البيئية، وتصوير قصص التكيف والمقاومة.
فقدان التنوع البيولوجي: تسليط الضوء على انقراض الأنواع وتدمير الموائل وأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي.
التلوث بأنواعه: عرض تحديات تلوث المياه والهواء والتربة، وكيف يؤثر ذلك على صحة الإنسان والكوكب.
الاستدامة والموارد: استكشاف قصص النجاح والفشل في إدارة الموارد الطبيعية والبحث عن حلول مستدامة.
العلاقة بين الإنسان والطبيعة: التعمق في كيفية تأثير الأنشطة البشرية على البيئة، والعكس صحيح، وتقديم رؤى حول إعادة بناء هذه العلاقة.

تؤمن صلاح بأن الأفلام تمتلك القدرة الفريدة على ترجمة البيانات العلمية المعقدة إلى قصص مؤثرة تلامس الوجدان، مما يعزز الفهم ويحفز العمل. وتهدف الدورة الثانية إلى عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية والقصيرة من مختلف أنحاء العالم، والتي تتناول هذه التحولات من زوايا فنية وإنسانية متنوعة.

برنامج المهرجان وتأثيره المتوقع

من المتوقع أن يضم برنامج الدورة الثانية فعاليات غنية ومتنوعة لا تقتصر على عروض الأفلام فحسب، بل تمتد لتشمل ندوات وورش عمل وجلسات نقاش تفاعلية. ستجمع هذه الفعاليات صناع الأفلام والخبراء البيئيين والأكاديميين والجمهور في حوار مفتوح حول سبل مواجهة التحديات البيئية. كما يسعى المهرجان إلى:

توعية الأجيال الشابة: من خلال برامج خاصة موجهة للطلاب والشباب لتشجيعهم على التفكير النقدي والمشاركة الفعالة في حماية البيئة.
دعم صناع الأفلام: توفير منصة للمواهب الجديدة والمخضرمة لعرض أعمالهم التي تركز على البيئة، وتبادل الخبرات والمعارف.
تعزيز الحلول المبتكرة: استعراض الأفلام التي لا تكتفي بتشخيص المشكلات، بل تقدم رؤى وحلولًا إبداعية للتحديات البيئية.
التبادل الثقافي: كونه مهرجانًا دوليًا، فإنه يعزز التفاهم الثقافي حول كيفية تعامل المجتمعات المختلفة مع قضاياها البيئية.

أهمية المهرجان في السياق الحالي

تأتي أهمية مهرجان الفيوم في دورته الثانية من كونه يتزامن مع فترة حرجة يشهد فيها العالم تزايدًا في الوعي بخطورة الأزمة المناخية والتحولات البيئية السريعة. ففي ظل التحديات العالمية مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، يصبح دور الفن والثقافة في تحفيز التفكير والعمل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. يبرهن المهرجان على أن الفن ليس منفصلاً عن الواقع، بل هو جزء أصيل وفعال في تشكيل الوعي العام وتحريك المبادرات الهادفة.

بهذا، يؤكد مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة، تحت قيادة ناهد صلاح، على أن السينما يمكن أن تكون أكثر من مجرد نافذة للترفيه؛ بل هي مرآة تعكس واقعنا البيئي، وأداة قوية لرسم ملامح مستقبل أكثر استدامة. يسهم المهرجان في بناء جسور المعرفة والإلهام، دافعًا الأفراد والمجتمعات نحو فهم أعمق للتحولات التي تشكل عالمنا والعمل من أجل كوكب أفضل.