لازلو كراسناهوركاي يفوز بنوبل للآداب: 'صوت الهلاك الجميل' يدوي عالميًا

في إعلان أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأدبية العالمية، منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب لعام 2024 للكاتب المجري المرموق لازلو كراسناهوركاي. جاء هذا التتويج تقديرًا لـ "صوته الروائي الفريد، الذي يجسد ببراعة مذهلة جماليات الفناء والعبثية الوجودية في عالم يتلاشى". وقد أشاد بيان الأكاديمية بقدرته على نسج عوالم معقدة وكئيبة تعكس تحولات القرن الحادي والعشرين.

أعلنت الأكاديمية السويدية عن القرار صباح اليوم، العاشر من أكتوبر 2024، في ستوكهولم، مشيرة إلى أن أعمال كراسناهوركاي تتميز بأسلوبها السردي البطيء والمتدفق، وجملها الطويلة، ورؤيتها الفلسفية العميقة التي تتأمل في مصير البشرية والحضارة. واعتبرت اللجنة أن وصف "صوت الهلاك الجميل" الذي أطلقه النقاد على أسلوبه ليس مجرد استعارة، بل هو تعبير دقيق عن جوهر كتاباته التي تجمع بين اليأس العميق والجمال الفني الباهر.

خلفية عن الأديب وأعماله

ولد لازلو كراسناهوركاي عام 1954 في المجر، ويُعد أحد أبرز الأصوات الأدبية المعاصرة في أوروبا والعالم. بدأت مسيرته الأدبية في أوائل الثمانينيات، واكتسب شهرة عالمية تدريجيًا بفضل ترجمة أعماله إلى لغات متعددة. غالبًا ما تُصنف رواياته ضمن تيار ما بعد الحداثة، وتتميز بكونها كئيبة، سوداوية، وتتناول مواضيع مثل العزلة، الاضمحلال، الشمولية، والبحث عن المعنى في عالم ما بعد الأيديولوجيات.

الأسلوب السردي: يتميز أسلوب كراسناهوركاي بالجمل الطويلة والمعقدة التي تخلق إيقاعًا تأمليًا، وكأنها تيار وعي يغرق القارئ في تفاصيل الشخصيات والمواقف. هذا الأسلوب يساهم في بناء أجواء القلق والترقب التي تسيطر على نصوصه.
المواضيع المتكررة: تتناول أعماله غالبًا اليأس الوجودي، تفكك المجتمعات، تأثير الأنظمة الشمولية، والبحث المضني عن الخلاص أو حتى عن معنى في عالم يبدو بلا معنى. يصور شخصياته وهي تتجول في عوالم تشبه الكابوس، غالبًا ما تكون المجر ما بعد الشيوعية أو أماكن مهجورة ونائية.
أبرز أعماله: من أشهر رواياته التي حظيت بإشادة عالمية:"تانغو الشيطان" (Satantango): نُشرت عام 1985، وهي أول رواياته المترجمة إلى الإنجليزية، وتُعد تحفة فنية تتناول انهيار مجتمع ريفي في المجر. تم تحويلها إلى فيلم سينمائي طويل من إخراج بيلا تار عام 1994.
"حزن المقاومة" (The Melancholy of Resistance): نُشرت عام 1989، وهي رواية معقدة ومؤثرة عن مدينة مجرية صغيرة تسقط فريسة للجنون الجماعي.
"حرب وحرب" (War & War): صدرت عام 1999، وتُعتبر من أكثر أعماله طموحًا، حيث تتبع رحلة كاتب مجري في نيويورك يبحث عن مخطوطة قديمة.

لقد حاز كراسناهوركاي على العديد من الجوائز المرموقة قبل نوبل، بما في ذلك جائزة مان بوكر الدولية عام 2015، تقديرًا لمجمل أعماله المترجمة إلى الإنجليزية، مما رسخ مكانته كقوة أدبية عالمية.

تداعيات الفوز وأهميته

يُتوقع أن يؤدي فوز لازلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل إلى زيادة كبيرة في اهتمام القراء والنقاد بأعماله على مستوى العالم. تبرز أهمية هذا الاختيار في عدة نقاط:

الاعتراف بالأدب المجري: يعزز هذا الفوز مكانة الأدب المجري على الساحة العالمية، ويضع كراسناهوركاي في مصاف كبار الكتاب الذين عبروا عن تجارب بلدانهم بخصوصية عالمية.
تسليط الضوء على "الأدب الكئيب": يؤكد اختيار كراسناهوركاي على أن الأدب الذي يتناول الجوانب المظلمة والمقلقة من الوجود البشري يحمل قيمة فنية وفكرية عميقة، ويثير تساؤلات جوهرية حول الحالة الإنسانية في العصر الحديث.
نقاش حول الأسلوب: من المحتمل أن يعيد هذا الفوز فتح النقاش حول الأسلوب السردي المعقد وغير التقليدي في الأدب، وكيف يمكن للروائيين تحدي القارئ ودفعه للتأمل بعمق من خلال تقنيات غير مألوفة.
رسالة عالمية: يعكس اختيار كراسناهوركاي رغبة الأكاديمية في تكريم كاتب يتجاوز المحلية ليعالج قضايا كونية تتعلق بالاضطراب الوجودي، والتغيرات المجتمعية، والبحث عن المعنى في عالم يواجه تحديات معقدة.

يُمثل فوز لازلو كراسناهوركاي بنوبل للآداب لحظة فارقة ليس فقط لمسيرته الشخصية، بل للأدب المعاصر ككل، مؤكدًا على أن الصوت الأدبي الأصيل والعميق قادر على اختراق الحواجز اللغوية والثقافية ليتردد صداه كـ "صوت الهلاك الجميل" الذي يلامس جوهر التجربة الإنسانية.