هوس البروتين: صيحة غذائية قد تؤدي لمخاطر صحية جسيمة

في السنوات الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في الاهتمام بتناول البروتين، حيث أصبح مكونًا أساسيًا في الأنظمة الغذائية للعديد من الأفراد، وخاصة بين المهتمين باللياقة البدنية وكمال الأجسام. ومع تزايد الوعي بأهمية بناء العضلات والبحث عن حلول سريعة لإنقاص الوزن، بات البروتين بطلًا لكثير من الخطط الغذائية. لكن هذا الهوس، رغم ما يبدو عليه من فوائد سريعة، يثير قلق الخبراء بشأن مخاطر صحية محتملة قد تكون جسيمة على المدى الطويل. تتواصل هذه النقاشات والمخاوف مع استمرار هذه الظاهرة الغذائية في الانتشار.

الخلفية والانتشار

يرجع الإقبال المتزايد على البروتين إلى عدة عوامل، أبرزها الاعتقاد السائد بقدرته الفائقة على بناء وإصلاح العضلات، وزيادة الشعور بالشبع مما يقلل من الرغبة في تناول الطعام، وبالتالي المساعدة في جهود إنقاص الوزن. وقد عززت هذه الفكرة حملات تسويقية مكثفة للمكملات الغذائية، إلى جانب شهادات رياضيين وشخصيات مؤثرة في مجال الصحة واللياقة البدنية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي غالبًا ما تروج لاستهلاك كميات كبيرة من البروتين كطريق مختصر للصحة المثالية والجسم الرشيق.

ما بدأ كنهج غذائي مخصص للرياضيين المحترفين وكمال الأجسام الذين يحتاجون إلى كميات أعلى من البروتين لدعم تدريباتهم المكثفة، سرعان ما تحول إلى موضة غذائية عامة، تبناها أفراد من مختلف الأعمار والخلفيات، بما في ذلك من لا يمارسون نشاطًا بدنيًا مكثفًا. وتتراوح مصادر البروتين المفضلة ضمن هذه الصيحة بين اللحوم الحمراء، الدواجن، الأسماك، منتجات الألبان، البيض، والبقوليات، وصولًا إلى الاعتماد الكبير على المكملات الغذائية المصنعة مثل بروتين مصل اللبن (Whey Protein) والبروتينات النباتية المعزولة، والتي يستهلكها البعض كبديل للوجبات أو كمصدر رئيسي للسعرات الحرارية.

الفوائد المتوازنة للبروتين

لا شك أن البروتين عنصر غذائي أساسي وحيوي لجسم الإنسان ولا غنى عنه. فهو يلعب دورًا مركزيًا في بناء وإصلاح الأنسجة والخلايا، وتكوين الإنزيمات والهرمونات الضرورية لتنظيم وظائف الجسم، ودعم جهاز المناعة، ونقل الأكسجين والمغذيات في الدم. كما يساهم البروتين في الشعور بالشبع لفترات أطول مقارنة بالكربوهيدرات أو الدهون، مما قد يساعد في التحكم بالوزن عند تناوله باعتدال وكجزء من نظام غذائي متوازن.

توصي معظم الهيئات الصحية العالمية والمنظمات التغذوية بتناول حوالي 0.8 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميًا للشخص البالغ العادي الذي لا يمارس نشاطًا بدنيًا شاقًا. هذه الكمية تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية للجسم والحفاظ على صحة العضلات والأنسجة. قد تزداد هذه الكمية قليلًا للرياضيين، كبار السن، أو خلال فترات التعافي من الأمراض أو الإصابات، حيث قد تصل إلى 1.2 إلى 2.0 جرام لكل كيلوجرام، ولكن ضمن إشراف متخصص لتجنب أي آثار جانبية.

مخاطر الإفراط في تناول البروتين

عندما يتجاوز استهلاك البروتين الحاجة الفعلية للجسم بشكل مستمر، يمكن أن تتحول فوائده إلى أعباء ومخاطر صحية جدية تؤثر على العديد من أجهزة الجسم. وقد أشارت دراسات حديثة، نشرت نتائجها في دوريات طبية موثوقة خلال السنوات القليلة الماضية، إلى عدد من هذه المخاطر المحتملة التي يجب الانتباه إليها:

الإجهاد الكلوي: يُعد الإجهاد على الكلى أحد أبرز المخاطر المرتبطة بالإفراط في تناول البروتين. فعند هضم البروتين، تنتج فضلات نيتروجينية، مثل اليوريا، التي يجب على الكلى تصفيتها وإخراجها من الجسم. زيادة البروتين تعني زيادة العبء على الكلى، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات الكلى الموجودة مسبقًا أو حتى الإضرار بها على المدى الطويل لدى الأفراد المعرضين للخطر، خاصة إذا كان الاستهلاك مفرطًا ومستمرًا دون شرب كميات كافية من الماء.
مشاكل الجهاز الهضمي: يؤدي الإفراط في البروتين، خاصة إذا كان ذلك على حساب الألياف الغذائية الموجودة بكثرة في الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، إلى مشكلات في الجهاز الهضمي مثل الإمساك، الانتفاخ، وآلام البطن. كما قد يساهم في الجفاف إذا لم يزد الشخص من استهلاك الماء بشكل ملحوظ لتعويض الفقد المتزايد للسوائل.
صحة العظام: هناك بعض القلق بشأن تأثير الأنظمة الغذائية عالية البروتين، خاصة تلك التي تعتمد على مصادر البروتين الحيواني بكثرة، على صحة العظام. تشير بعض الأبحاث إلى أن زيادة استهلاك البروتين قد تزيد من حمضية الدم، مما قد يدفع الجسم لسحب الكالسيوم من العظام لمعادلة الحموضة، وهو ما قد يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام على المدى البعيد. ومع ذلك، لا تزال هذه العلاقة قيد البحث وتحتاج إلى المزيد من الأدلة القاطعة.
زيادة الوزن غير المرغوبة: قد يظن البعض أن البروتين لا يساهم في زيادة الوزن، لكن الحقيقة هي أن أي سعرات حرارية زائدة عن حاجة الجسم، بغض النظر عن مصدرها (بروتين، كربوهيدرات، دهون)، يمكن أن تتحول إلى دهون وتُخزّن في الجسم. وبالتالي، فإن الإفراط في تناول البروتين يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن إذا تجاوزت السعرات الحرارية الكلية الاحتياجات اليومية للفرد.
نقص المغذيات: عند التركيز بشكل مفرط على البروتين وإهمال المجموعات الغذائية الأخرى الضرورية مثل الفواكه، الخضروات، والحبوب الكاملة، يصبح الجسم عرضة لنقص الفيتامينات والمعادن الأساسية والألياف. هذه العناصر حيوية للصحة العامة، وظائف الجهاز المناعي، والوقاية من الأمراض المزمنة.
أمراض القلب: إذا كانت مصادر البروتين المفرطة غنية بالدهون المشبعة والكوليسترول، كما هو الحال في بعض اللحوم الحمراء المصنعة ومنتجات الألبان كاملة الدسم، فإن هذا قد يرفع مستويات الكوليسترول الضار في الدم ويزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل.

نصائح الخبراء والتوصيات

في ضوء هذه المخاطر المحتملة والفوائد التي لا يمكن إنكارها عند الاعتدال، يشدد خبراء التغذية والصحة على أهمية التوازن والاعتدال عند تناول البروتين. ويوصون باتباع إرشادات صحية واضحة لضمان الحصول على الفوائد الكاملة للبروتين دون الوقوع في شباك المخاطر:

الاعتدال في الكميات: يجب الالتزام بالكميات الموصى بها من البروتين بناءً على العمر، الجنس، مستوى النشاط البدني، والحالة الصحية للفرد. تجنب تجاوز هذه الكميات بشكل كبير دون استشارة طبية.
التنويع في مصادر البروتين: ينبغي دمج مصادر متنوعة من البروتين، سواء كانت حيوانية (لحوم بيضاء، أسماك، بيض، ألبان قليلة الدسم) أو نباتية (بقوليات، مكسرات، بذور، حبوب كاملة، خضروات). هذا التنويع يضمن الحصول على مجموعة واسعة من الأحماض الأمينية الأساسية والمغذيات الأخرى.
نظام غذائي متوازن وشامل: يجب أن يشمل النظام الغذائي جميع المجموعات الغذائية بكميات مناسبة: الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، والدهون الصحية، بالإضافة إلى البروتين. هذا يضمن الحصول على كافة الفيتامينات والمعادن والألياف الضرورية التي تدعم الصحة العامة.
شرب كميات كافية من الماء: يعد الحفاظ على ترطيب الجسم أمرًا بالغ الأهمية، خاصة عند تناول كميات أعلى من البروتين، لمساعدة الكلى على أداء وظائفها بكفاءة وتخليص الجسم من الفضلات النيتروجينية.
استشارة أخصائي تغذية: قبل إجراء تغييرات جذرية في النظام الغذائي، البدء في تناول مكملات البروتين، أو في حال وجود حالات صحية كامنة، يُنصح بشدة باستشارة طبيب أو أخصائي تغذية مرخص. يمكن للمتخصصين تقييم الاحتياجات الفردية وتقديم إرشادات شخصية وآمنة.

في الختام، بينما يبقى البروتين عنصرًا غذائيًا حيويًا وأساسيًا للصحة، فإن الهوس به واعتباره الحل السحري الوحيد للصحة واللياقة قد يكون له عواقب وخيمة. التوازن، الوعي، والاستماع إلى نصائح الخبراء المبنية على الأدلة العلمية هي المفتاح لتحقيق أقصى استفادة من هذا المغذي دون الوقوع في شباك المخاطر الصحية المرتبطة بالإفراط. تستمر الجهات الصحية حول العالم، في تقارير صدرت مؤخرًا، في التحذير من المخاطر المرتبطة بالأنظمة الغذائية شديدة التقييد والاعتماد المفرط على نوع واحد من المغذيات، مؤكدة على أن الصحة الجيدة تنبع من نظام غذائي متنوع ومتوازن بشكل مستدام.