شهدت محافظة الفيوم أمس حدثًا ثقافيًا وفنيًا بارزًا، تمثل في تدشين منصة "وجوه الفيوم" للفنون المعاصرة، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثانية من مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة. وقد أقيم الافتتاح بحضور فني وجماهيري غفير، مما يؤكد على الأهمية المتزايدة للحركة الفنية المعاصرة في مصر ودور المهرجانات في دعمها.

خلفية عن مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة

يُعد مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة مبادرة فريدة تهدف إلى دمج الوعي البيئي بالفن والإبداع. انطلق المهرجان لأول مرة في عام 2022، وسرعان ما اكتسب سمعة طيبة كمنصة تجمع بين السينما التي تُعنى بالقضايا البيئية والفنون المعاصرة التي تعكس تحولات المجتمع وتطلعاته. ويأتي اختيار محافظة الفيوم، بتاريخها العريق وواحاتها الطبيعية الساحرة، كموقع للمهرجان، ليضفي بعدًا خاصًا على فعالياته، حيث يلتقي التراث بالطبيعة ليُشكلا مصدر إلهام للفنانين والجمهور على حد سواء.

تتمحور رؤية المهرجان حول خلق حوار بناء بين الفن والبيئة، وتشجيع الفنانين على استكشاف قضايا الاستدامة والتغير المناخي من خلال أعمالهم، بالإضافة إلى توفير مساحة للفنانين المعاصرين لعرض تجاربهم الجريئة التي تتجاوز الأطر التقليدية. وقد نجحت الدورة الأولى في استقطاب اهتمام واسع من النقاد والجمهور، مما مهد الطريق لتقديم دورة ثانية أكثر طموحًا وتنوعًا.

منصة "وجوه الفيوم": رؤية وأهداف

تُمثل منصة "وجوه الفيوم" للفنون المعاصرة إضافة نوعية لفعاليات المهرجان، حيث تُعنى بشكل خاص بالاحتفاء بالتعبير الفني الحديث والمتجدد. وقد جاء اختيار اسم "وجوه" ليعكس التنوع في الرؤى والأساليب الفنية، بالإضافة إلى كونه إشارة رمزية لوجوه الفنانين المشاركين ووجوه المجتمع الذي تُجسده أعمالهم. تهدف المنصة إلى أن تكون حاضنة للإبداع، ومركزًا لتلاقح الأفكار بين الفنانين من مختلف الأجيال والمدارس الفنية.

تتضمن أهداف المنصة الرئيسية ما يلي:

دعم الفنانين الناشئين: توفير فرص عرض وتسليط الضوء على المواهب الشابة التي تقدم أعمالًا فنية مبتكرة ومغايرة.
تعزيز الحوار الفني: تنظيم ورش عمل وندوات ومناقشات حول قضايا الفن المعاصر وتحدياته وآفاقه المستقبلية.
التعريف بأنماط فنية متنوعة: عرض مجموعة واسعة من أشكال الفنون المعاصرة، بما في ذلك الفن التشكيلي، النحت، فنون التركيب (Installation Art)، فنون الفيديو، والفنون الرقمية.
ربط الفن بالجمهور: تقريب الفن المعاصر من شرائح أوسع من الجمهور، وتفكيك الصورة النمطية التي قد تصفه بالتعقيد أو الانغلاق.
الاستلهام من البيئة المحلية: تشجيع الفنانين على التفاعل مع البيئة الفيومية، سواء الطبيعية أو الثقافية، ودمج عناصرها في أعمالهم المعاصرة.

وقد أكد المنظمون أن المنصة ستكون بمثابة مختبر فني مفتوح، يتيح للفنانين تجربة أفكار جديدة وتجاوز الحدود التقليدية للفن، مع الحفاظ على رسالة المهرجان الأساسية في تعزيز الوعي البيئي من خلال عدسة الفن.

حضور فني بارز وتفاعل مجتمعي

شهد حفل تدشين منصة "وجوه الفيوم" حضورًا لافتًا من نجوم الفن وصناع السينما والشخصيات الثقافية البارزة في مصر. وقد أضفى هذا الحضور زخمًا كبيرًا على الحدث، وسلط الضوء على أهمية المبادرة في المشهد الثقافي المصري. من بين الحضور، لوحظ وجود عدد من الفنانين التشكيليين المعروفين، ومخرجين سينمائيين، ونقاد فنيين، بالإضافة إلى ممثلين عن وزارة الثقافة والجهات المعنية.

أعرب العديد من الحاضرين عن تقديرهم العميق لفكرة المنصة، مؤكدين على حاجتها في الساحة الفنية المصرية. صرحت الفنانة ليلى محمود، إحدى الشخصيات الفنية البارزة، بأن "منصة وجوه الفيوم تمثل خطوة جريئة نحو مستقبل الفن في مصر، وتفتح آفاقًا جديدة للمواهب الشابة لتعرض أعمالها بحرية وإبداع." كما أشار الناقد السينمائي أحمد سمير إلى أن "ربط الفنون المعاصرة بمهرجان بيئي يخلق تمازجًا فريدًا يثري التجربة الثقافية للجمهور والفنانين على حد سواء."

لم يقتصر الحضور على الشخصيات الفنية، بل شهد الافتتاح إقبالًا كبيرًا من الجمهور المحلي وطلاب كليات الفنون، مما يعكس الشغف المتزايد بالفنون وتقدير المجتمع للمبادرات الثقافية التي تُسهم في إثراء الحياة الفنية وتوعية الأجيال الجديدة.

الأهمية والتأثير المستقبلي

يُتوقع أن يكون لمنصة "وجوه الفيوم" للفنون المعاصرة تأثيرٌ كبير على عدة مستويات. على الصعيد المحلي، يمكن أن تُسهم المنصة في تحويل الفيوم إلى مركز إقليمي للفنون المعاصرة، مما يعزز السياحة الثقافية ويخلق فرصًا اقتصادية للمجتمع المحلي. كما أنها ستوفر منصة مستمرة للتبادل الثقافي والفني بين الفنانين المصريين والعرب والدوليين.

على الصعيد الوطني، تُلبي المنصة حاجة ماسة لتعزيز الفنون المعاصرة التي غالبًا ما تجد صعوبة في الوصول إلى مساحات عرض كافية أو جمهور واسع. من خلال هذا التوجه، يمكن أن تُسهم "وجوه الفيوم" في تجديد المشهد الفني المصري، وتشجيع التجريب والابتكار، وتقديم رؤى فنية جديدة تتفاعل مع قضايا العصر.

كما تُعزز هذه المنصة رسالة المهرجان الأوسع نطاقًا في ربط الفن بقضايا البيئة، حيث يُمكن للفنانين استخدام أعمالهم كأداة للتعبير عن المخاوف البيئية، ورفع مستوى الوعي، وإلهام العمل نحو مستقبل أكثر استدامة. إن تدشين هذه المنصة يُمثل إضافة قيّمة للحراك الثقافي في مصر، ويؤكد على أن الفن قادر على لعب دور محوري في تشكيل الوعي المجتمعي ودعم التنمية المستدامة.