وزير إسرائيلي يثير جدلاً بهجوم على السعودية ثم يتراجع ويعتذر في ذات اليوم

أثار وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ضجة دبلوماسية واسعة النطاق في مارس 2023 بعد أن ظهر في مقطع فيديو يهاجم فيه وجود 'شعب فلسطيني' وينتقد موقف المملكة العربية السعودية من إقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع مع إسرائيل. وقد أدت هذه التصريحات، التي قيلت في فعالية بباريس، إلى ردود فعل غاضبة فورية من عدة دول ومنظمات، مما دفع الوزير إلى إصدار توضيح واعتذار جزئي في نفس اليوم، في محاولة لتهدئة التوترات التي أشعلها.

الخلفية والسياق

يُعرف بتسلئيل سموتريتش، وهو زعيم حزب 'الصهيونية الدينية' اليميني المتطرف، بمواقفه القومية المتشددة تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. جاءت تصريحاته في وقت حساس للغاية، حيث كانت هناك جهود دبلوماسية مكثفة، بدعم من الولايات المتحدة، لاستكشاف إمكانية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، على غرار اتفاقيات إبراهيم. وقد أكدت السعودية مراراً وتكراراً أن تحقيق سلام شامل ودائم يتطلب حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وفي هذا السياق، كانت أي تصريحات إسرائيلية رفيعة المستوى تقلل من شأن الوجود الفلسطيني أو تقوض فرص حل الدولتين، تحمل ثقلاً دبلوماسياً كبيراً.

التصريحات المثيرة للجدل

خلال كلمة ألقاها في باريس في مارس 2023، في فعالية تذكارية لناشط ليبرالي، صرح سموتريتش بشكل قاطع: 'لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني'. وتابع قائلاً إن فكرة الشعب الفلسطيني 'اختراع' يعود إلى القرن الماضي، وأن من يدعون أنهم فلسطينيون هم في الواقع 'عرب'. وقد جاءت هذه التصريحات بينما كان يقف خلف منصة تظهر عليها خريطة لما أسماه البعض 'إسرائيل الكبرى' التي تضم الضفة الغربية وغزة والأردن، مما أضاف بعداً استفزازياً آخر إلى رسالته. كما تحدى الوزير علناً مطالب المملكة العربية السعودية بإقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع، واصفاً إياها بالوهم.

ردود الفعل الفورية

المملكة العربية السعودية: أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً قوياً أدانت فيه تصريحات سموتريتش بشدة، واصفة إياها بالعنصرية والمتطرفة. وأكدت الرياض مجدداً على موقفها الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة.
الفلسطينيون: أعربت القيادة الفلسطينية عن غضبها الشديد، ونددت بهذه التصريحات التي اعتبرتها إنكاراً لوجودهم وهويتهم الوطنية، وتحدياً للقانون الدولي.
الولايات المتحدة الأمريكية: وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تصريحات سموتريتش بأنها 'غير مسؤولة'، و'مهينة'، و'خطيرة'، خاصةً وأنها صدرت عن وزير في حكومة إسرائيلية. وأكدت واشنطن دعمها الثابت لحل الدولتين وضرورة احترام هوية الشعب الفلسطيني.
إسرائيل: على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يدن سموتريتش بشكل مباشر، إلا أن مكتبه سارع إلى إصدار بيان يؤكد فيه على التزام إسرائيل باتفاقيات إبراهيم ورغبتها في توسيع دائرة السلام، بما في ذلك مع السعودية، مما اعتُبر محاولة للنأي بنفسه عن تصريحات وزيره.

التراجع والاعتذار

في أعقاب الضجة الدبلوماسية العارمة والإدانات الدولية، أصدر بتسلئيل سموتريتش بياناً توضيحياً في وقت لاحق من نفس اليوم. ادعى الوزير أن تصريحاته أسيء فهمها، وأنه لم يقصد الإساءة إلى المملكة العربية السعودية أو شعبها. وأكد احترامه للمملكة وقيادتها ودورها المحوري في المنطقة، مشدداً على رغبة إسرائيل في السلام والتعاون مع جميع الدول العربية. ومع ذلك، لم يتراجع الوزير صراحة عن ادعائه بأن 'لا يوجد شعب فلسطيني'، بل ركز على توضيح موقفه تجاه السعودية وتأكيد رغبته في تعزيز العلاقات.

لماذا يهم الخبر؟

تكتسب هذه الواقعة أهمية كبرى لعدة أسباب:

الدبلوماسية الحساسة: يمكن لمثل هذه التصريحات الاستفزازية الصادرة عن مسؤول رفيع المستوى أن تقوض بشكل خطير الجهود الدبلوماسية الرامية لتحقيق التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وتعرقل أي تقدم محتمل في هذا المسار.
مركزية القضية الفلسطينية: تؤكد الحادثة مجدداً على أن القضية الفلسطينية تظل حجر الزاوية وأكبر عقبة أمام تحقيق سلام إقليمي شامل، وأن موقف السعودية الثابت من هذه القضية لا يمكن تجاهله.
السياسة الداخلية الإسرائيلية: تسلط الضوء على الانقسامات الأيديولوجية داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، والتحديات التي يواجهها رئيس الوزراء في إدارة شركائه المتشددين في الائتلاف مع الحفاظ على العلاقات الدولية.
الإجماع الدولي: تُظهر الإدانات السريعة والواسعة من قبل دول كبرى مثل الولايات المتحدة، الإجماع الدولي على أهمية حل الدولتين ورفض إنكار وجود الشعب الفلسطيني.
الاستقرار الإقليمي: يمكن للتصريحات الملتهبة من المسؤولين الحكوميين أن تزيد من حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط المتوترة بالفعل، مما يؤثر على الاستقرار الإقليمي.