وصول المكون الرئيسي للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة: وعاء ضغط المفاعل الروسي

في خطوة تاريخية ومحورية ضمن مشروع محطة الضبعة النووية المصرية، شهدت مصر في أوائل أكتوبر 2023 وصول وعاء ضغط المفاعل (RPV) الخاص بالوحدة النووية الأولى، والذي يُعد القلب النابض لأي مفاعل نووي. وقد وصل المكون الضخم، المصنوع في روسيا، إلى ميناء الضبعة المعد خصيصاً لاستقبال هذه الشحنات الثقيلة، مما يمثل إنجازاً بارزاً ومؤشراً قوياً على التقدم المطرد في تنفيذ أولى المحطات النووية لتوليد الكهرباء في البلاد.

خلفية مشروع الضبعة النووي

يُعد مشروع محطة الضبعة النووية أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إليها مصر لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمنها الكهربائي. يقع المشروع في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويُعد تجسيداً للتعاون المصري الروسي في المجالات التكنولوجية الكبرى. يهدف المشروع إلى إنشاء أربع وحدات نووية من طراز VVER-1200 من الجيل الثالث+، والتي تُعرف بكفاءتها العالية ومستويات الأمان المعززة. بدأ العمل الفعلي في المشروع عقب توقيع اتفاقية حكومية دولية في عام 2015، وتلى ذلك الحصول على إذن إنشاء الوحدة الأولى في عام 2022 من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، مما أفسح المجال لبدء أعمال الإنشاءات الرئيسية.

تمثل محطة الضبعة حجر الزاوية في استراتيجية مصر للطاقة طويلة الأمد، والتي تسعى إلى تحقيق مزيج مستدام من الطاقة يجمع بين المصادر التقليدية والمتجددة والنووية. وبمجرد اكتمالها، ستساهم المحطة بشكل كبير في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في مصر ودعم التنمية الاقتصادية والصناعية.

أهمية وعاء ضغط المفاعل

يُعتبر وعاء ضغط المفاعل (RPV) أحد أهم وأكثر المكونات تعقيدًا وحساسية في أي محطة طاقة نووية. إنه بمثابة الحاوية الأساسية التي تحتضن قلب المفاعل النووي، حيث يتم وضع الوقود النووي وتحدث عملية الانشطار النووي المتحكم فيها لإنتاج الحرارة. تتطلب صناعة هذا الوعاء أعلى معايير الجودة والدقة والسلامة، نظراً للظروف القاسية التي سيعمل فيها من ضغوط ودرجات حرارة عالية وإشعاع.

التصنيع: تم تصنيع وعاء ضغط المفاعل الخاص بالوحدة النووية الأولى في مصنع AEM-Technology التابع لشركة Atomenergomash، جزء من شركة روساتوم (Rosatom) الحكومية الروسية في مدينة فولغودونسك. يُعرف هذا المصنع بقدراته الفائقة في إنتاج المكونات الثقيلة للمحطات النووية.
اللوجستيات: استغرقت عملية نقل الوعاء رحلة لوجستية معقدة وطويلة، بدأت من روسيا وشملت النقل البحري عبر مسافات شاسعة لتصل إلى ميناء الضبعة، الذي تم تجهيزه خصيصاً لاستقبال هذه الشحنات العملاقة، وهو ما يعكس التخطيط الدقيق والتعاون اللوجستي المحكم بين الجانبين المصري والروسي.

تأثيرات الوصول وأهميته

يمثل وصول وعاء ضغط المفاعل للوحدة الأولى إنجازاً كبيراً ومؤشراً لا لبس فيه على تقدم المشروع وانتقاله إلى مرحلة حاسمة من الإنشاءات. فهو يفتح الباب أمام تركيب هذا المكون الحيوي وبدء المراحل النهائية لتشييد قلب المفاعل. تتجاوز أهمية هذا الحدث الجانب التقني لتشمل أبعاداً استراتيجية واقتصادية:

تقدم المشروع: يعكس هذا الوصول التزام الشركاء بالجدول الزمني للمشروع وقدرتهم على تنفيذ المراحل المعقدة في موعدها.
الأمن الطاقوي: يعزز المشروع قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، مما يوفر استقراراً في أسعار الطاقة ويقلل من التقلبات العالمية.
التعاون الدولي: يؤكد هذا الإنجاز على عمق وقوة العلاقات المصرية الروسية، خاصة في المشاريع الاستراتيجية والتكنولوجية الكبرى، ويعزز الثقة المتبادلة بين البلدين.
التنمية الاقتصادية: يساهم المشروع في خلق الآلاف من فرص العمل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويدعم نمو الصناعات المحلية من خلال توفير فرص التعاقد والتدريب ونقل الخبرات التكنولوجية المتطورة.
الاستدامة البيئية: تُعد الطاقة النووية مصدراً نظيفاً للطاقة لا ينتج عنه انبعاثات كربونية ضارة، مما يدعم جهود مصر لمكافحة تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

الآفاق المستقبلية

مع وصول وعاء ضغط المفاعل، تتجه الأنظار نحو استكمال أعمال تركيب المكونات الأساسية الأخرى للوحدة النووية الأولى، بالإضافة إلى التقدم في إنشاء الوحدات الثلاث المتبقية. من المتوقع أن تبدأ الوحدة الأولى في التشغيل التجاري في عام 2028، لتليها الوحدات الأخرى تباعاً. وتستثمر مصر كذلك في تدريب الكوادر البشرية اللازمة لتشغيل وصيانة المحطة، بالتعاون مع الخبرات الروسية، لضمان استمرارية التشغيل الآمن والفعال على المدى الطويل.

يُعتبر مشروع الضبعة النووي ركيزة أساسية لمستقبل الطاقة في مصر، ويُتوقع أن يكون له تأثيرات إيجابية واسعة النطاق على الاقتصاد الوطني والقدرات التكنولوجية للبلاد، مما يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.