شائعة "مغارة الذهب" تثير فوضى في درعا وتكشف عن يأس اقتصادي

في تطور لافت يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، أدت شائعة انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أواخر العام 2023 إلى حالة من الفوضى العارمة في محافظة درعا جنوب البلاد. تمحورت الشائعة حول اكتشاف مزعوم لـ"مغارة مليئة بالذهب" في محيط مدينة الحارة، مما دفع آلاف المواطنين إلى التهافت على الموقع أملاً في الحصول على نصيب من الثروة الموعودة، الأمر الذي استدعى تدخلاً من الأجهزة الأمنية لإعادة فرض النظام.

تفاصيل انتشار الشائعة وردود الفعل الأولية

بدأت القصة بالتداول على نطاق واسع عبر تطبيقات المراسلة الفورية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث زعمت المنشورات العثور على مغارة أثرية تحتوي على كميات كبيرة من الذهب والمقتنيات الثمينة التي تعود إلى عصور قديمة. وسرعان ما اكتسبت هذه الرواية زخماً هائلاً، مدفوعة بحالة اليأس الاقتصادي التي يعيشها السوريون، حيث رأى الكثيرون في الشائعة فرصة نادرة للخروج من دائرة الفقر المدقع.

ونتيجة لذلك، شهدت المنطقة المحيطة بمدينة الحارة تدفقاً غير مسبوق لآلاف الأشخاص من مختلف قرى وبلدات درعا والمحافظات المجاورة. وقد وصل العديد منهم وهم يحملون أدوات حفر بسيطة مثل المعاول والمجارف، عازمين على بدء التنقيب. تحولت المنطقة في غضون ساعات قليلة إلى تجمع بشري هائل، مما تسبب في ازدحام مروري خانق وشل حركة السير على الطرق المؤدية إلى الموقع.

التدخل الأمني وإعادة الهدوء

مع تصاعد الموقف وخروجه عن السيطرة، تدخلت السلطات الأمنية السورية بشكل فوري للتعامل مع الفوضى. قامت القوات بفرض طوق أمني حول المنطقة التي أشيع وجود المغارة فيها، ومنعت المواطنين من الاقتراب أكثر حفاظاً على سلامتهم ولمنع وقوع حوادث أو أعمال تخريب. عملت الأجهزة الأمنية على تفريق الحشود بشكل تدريجي، مؤكدة أن ما يتم تداوله مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة. وبعد ساعات من التوتر، تمكنت السلطات من السيطرة على الوضع بالكامل وإعادة الهدوء إلى المنطقة.

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للحادثة

تُسلط هذه الحادثة الضوء على أكثر من مجرد انتشار خبر كاذب؛ فهي تكشف عن مدى تأثير الأوضاع المعيشية المتردية على نفسية المجتمع السوري. يرى محللون أن سرعة تصديق الشائعة والمشاركة الجماعية في البحث عن "الذهب" تعكس عدة عوامل مترابطة، من بينها:

اليأس الاقتصادي: يعاني غالبية السوريين من انهيار القدرة الشرائية وتدني الأجور وارتفاع معدلات البطالة، مما يجعلهم أكثر قابلية لتصديق أي فرصة قد تغير واقعهم المأساوي.
غياب الثقة: يمثل الانسياق وراء الشائعات أحياناً تعبيراً عن فقدان الثقة في المصادر الرسمية وفي قدرة المؤسسات على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية.
قوة وسائل التواصل الاجتماعي: أظهرت الواقعة الدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه المنصات الرقمية في نشر المعلومات المضللة بسرعة فائقة، وتعبئة أعداد كبيرة من الناس في وقت قياسي.

بعد انتهاء حالة الفوضى، أكدت مصادر محلية ورسمية أن الموقع الذي تجمهر حوله الناس لم يكن سوى كهف طبيعي أو حفرة قديمة لا تحتوي على أي كنوز أو آثار ذات قيمة. وانتهى حلم الثراء السريع بخيبة أمل كبيرة، لكنه ترك وراءه دلالات عميقة حول حجم المعاناة التي تدفع الناس إلى التمسك بأي بصيص أمل، حتى لو كان وهماً.