أبوظبي تطلق مشروع الطاقة المتجددة الأكبر عالمياً بوضع حجر الأساس
شهدت إمارة أبوظبي في السادس من أكتوبر 2023 حدثاً تاريخياً مهماً بوضع سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، حجر الأساس لمشروع يُوصف بأنه الأول والأكبر من نوعه عالمياً في مجال الطاقة المتجددة. يمثل هذا المشروع الطموح نقلة نوعية في جهود التحول نحو الطاقة النظيفة، حيث يهدف إلى توفير واحد جيجاوات من طاقة الحمل الأساسي النظيفة على مدار الساعة، وذلك من خلال دمج متطور وغير مسبوق بين تكنولوجيا الطاقة الشمسية وأنظمة تخزين البطاريات العملاقة.

خلفية وأهمية المشروع
يأتي تدشين هذا المشروع الضخم في سياق التزام دولة الإمارات العربية المتحدة الراسخ بتحقيق أهدافها الطموحة للمناخ، والتي تتوجت بإطلاق مبادرة "الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050". لطالما كانت الإمارات في طليعة الدول التي تبنت حلول الطاقة النظيفة واستثمرت فيها بكثافة، مع سجل حافل بمشاريع رائدة مثل محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية التي تعد من الأكبر في العالم، ومحطة نور أبوظبي. يرتكز هذا المشروع الجديد على هذه الخبرات المتراكمة، لكنه يقدم ابتكاراً جوهرياً يتجاوز مجرد حجم الإنتاج.
تتمثل الأهمية الجوهرية لهذا المشروع في قدرته على حل أحد أكبر التحديات التي تواجه مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ضمان توفير "طاقة الحمل الأساسي" (baseload power) بشكل مستمر وموثوق. فبينما تتوقف المحطات الشمسية عن الإنتاج ليلاً أو في الظروف الجوية غير المواتية، يضمن نظام البطاريات المتكامل استمرارية إمداد الشبكة الكهربائية بالطاقة النظيفة دون انقطاع. هذا يمثل قفزة نوعية نحو جعل الطاقة المتجددة مصدراً أساسياً ومستقراً للطاقة، مما يعزز أمن الطاقة ويقلل بشكل كبير الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي.
إن الرؤية الاستراتيجية لأبوظبي تتجلى في هذا المشروع، حيث تسعى الإمارة ليس فقط لتنويع مصادر طاقتها، بل أيضاً لتصبح مركزاً عالمياً للابتكار في مجال الطاقة النظيفة، مساهمةً بذلك في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
تفاصيل المشروع ومكوناته
تتولى الإشراف على تطوير وتنفيذ هذا المشروع الرائد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، وهي قوة دافعة عالمية في مجال الطاقة المتجددة، وذلك بالتعاون الوثيق مع شركة مياه وكهرباء الإمارات (EWEC)، التي ستلعب دور المشتري الرئيسي للطاقة المنتجة لضمان وصولها إلى المستهلكين. يتكون المشروع من مكونين تقنيين رئيسيين يجسدان أحدث الابتكارات في هذا المجال:
- محطة طاقة شمسية كهروضوئية عملاقة: بقدرة إنتاجية هائلة تصل إلى 5.2 جيجاوات. هذه المحطة ستكون قادرة على توليد كميات ضخمة من الكهرباء النظيفة خلال ساعات النهار.
- نظام بطاريات متقدم لتخزين الطاقة: بسعة تخزينية غير مسبوقة تبلغ 19 جيجاوات/ساعة. هذا النظام هو العنصر الحاسم الذي يمكّن المشروع من تجاوز تحدي تقطع الطاقة الشمسية، حيث يقوم بتخزين الطاقة الفائضة المنتجة نهاراً لإعادة إطلاقها عند الحاجة، خصوصاً في الليل أو عند انخفاض الإشعاع الشمسي.
سيسمح هذا الدمج المتكامل والفريد للمشروع بتزويد شبكة الكهرباء بواحد جيجاوات من الطاقة النظيفة على مدار الساعة، ليقدم بذلك نموذجاً عملياً وموسعاً لكيفية دمج الطاقة المتجددة بنجاح في أنظمة الطاقة الوطنية كجزء لا يتجزأ من الحمل الأساسي.
الآثار والتداعيات المستقبلية
- تعزيز الاستدامة البيئية: سيسهم المشروع بشكل كبير في خفض الانبعاثات الكربونية لدولة الإمارات، مما يدعم بقوة جهودها لتحقيق الحياد الكربوني والمساهمة في مكافحة تغير المناخ على نطاق أوسع.
- ضمان أمن الطاقة: يعزز المشروع أمن إمدادات الطاقة في الإمارات من خلال تنويع مصادرها بشكل جذري وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يضمن استقراراً أكبر للشبكة الكهربائية ويحصنها ضد تقلبات أسعار الطاقة العالمية.
- الريادة في الابتكار التكنولوجي: يضع المشروع أبوظبي ودولة الإمارات في طليعة الابتكار في مجال الطاقة المتجددة، كونه يقدم نموذجاً عالمياً رائداً لدمج الطاقة الشمسية مع حلول التخزين واسعة النطاق لإنتاج طاقة الحمل الأساسي. هذا الإنجاز سيلهم ويحفز مشاريع مماثلة حول العالم.
- الدعم الاقتصادي والتنويع: يدعم المشروع التنويع الاقتصادي للإمارات بعيداً عن قطاع النفط، ويخلق فرص عمل جديدة في قطاع الطاقة المتجددة المتنامي، ويجذب الاستثمارات في التكنولوجيا الخضراء والبحث والتطوير.
ويمثل هذا المشروع علامة فارقة في مسيرة التحول نحو مستقبل طاقوي مستدام، مؤكداً على رؤية أبوظبي الطموحة ودورها المتنامي كمركز عالمي للابتكار والتطبيق العملي في مجال الطاقة النظيفة. من المتوقع أن يلعب هذا المشروع دوراً محورياً في تحقيق أهداف الطاقة المتجددة لدولة الإمارات وأن يسهم في رسم ملامح مستقبل الطاقة العالمي.





