أحدث صور سد النهضة بعد الفيضانات تثير مخاوف متجددة
في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، أثارت صور متداولة لسد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) بعد موجة الفيضانات التي شهدتها المنطقة، قلقاً متجدداً ومخاوف متزايدة لدى دولتي المصب، مصر والسودان. وقد جاءت هذه الصور في سياق تزايد منسوب مياه النيل الأزرق وتأثيرات الأمطار الغزيرة في الهضاب الإثيوبية، مما أعاد إلى الواجهة التساؤلات حول سلامة السد، وإدارته للمياه، وتأثيراته المحتملة على الأمن المائي الإقليمي.

الخلفية التاريخية والنزاع المائي
يمثل سد النهضة الإثيوبي مشروعاً حيوياً لـإثيوبيا، يهدف إلى توليد الطاقة الكهرومائية لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد. ومع ذلك، فإنه يقع على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل الذي تعتمد عليه مصر والسودان بشكل كبير في احتياجاتهما المائية. منذ بدء إنشاء السد عام 2011، تشكلت مخاوف عميقة لدى دول المصب بشأن قدرة السد على التحكم في تدفقات المياه، وملء خزانه، وتشغيله دون اتفاق ملزم وعادل يضمن حقوقهما المائية. وقد تعثرت جولات عديدة من المفاوضات بين الدول الثلاث في التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، مما أدى إلى حالة من التوتر وعدم اليقين.
التطورات الأخيرة: الفيضانات والصور المثيرة للقلق
شهدت منطقة حوض النيل في الأسابيع الأخيرة أمطاراً غزيرة تسببت في فيضانات مدمرة في بعض المناطق، خاصة في السودان. وفي خضم هذه الظروف الجوية، انتشرت صور حديثة لسد النهضة تُظهر مستويات عالية للمياه في خزانه. أثارت هذه الصور تساؤلات جدية حول مدى تأثير هذه الفيضانات على بنية السد نفسه، وكيفية إدارته للمياه الزائدة. وعلى الرغم من أن إثيوبيا تؤكد على سلامة السد وتصميمه لمقاومة مثل هذه الظروف، إلا أن غياب الشفافية والبيانات الموثوقة حول حالة السد وسعة التخزين الحالية، يزيد من حالة القلق.
المخاوف المتزايدة وآثارها المحتملة
تركز المخاوف الرئيسية التي أثارتها هذه الصور والتطورات على عدة نقاط محورية:
- سلامة السد الهيكلية: يخشى البعض من أن الفيضانات الشديدة قد تشكل ضغطاً إضافياً على السد، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرته على الصمود على المدى الطويل، خاصة مع استمرار مراحل الملء.
 - إدارة تدفقات المياه: يثير عدم وجود آلية تنسيق فعالة وملزمة بين الدول الثلاث بشأن تشغيل السد وإدارة الفيضانات، مخاوف من أن أي تصرف أحادي من إثيوبيا في ظروف الفيضان قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع في دول المصب، سواء بزيادة الفيضانات أو بتخزين كميات مياه ضرورية لحاجاتهم.
 - الأمن المائي: تستمر دول المصب في التأكيد على أن أي ملء أو تشغيل للسد دون اتفاق ملزم يهدد أمنها المائي، خاصة في أوقات الجفاف أو الفيضانات الشديدة التي تتطلب تنسيقاً دقيقاً.
 - تأثيرها على المفاوضات: قد تزيد هذه التطورات من تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى اتفاق شامل، حيث ترفع من مستوى عدم الثقة وتزيد من المطالبات بالشفافية والالتزام.
 
دعوات للتحرك والشفافية
في أعقاب هذه التطورات، جددت مصر والسودان دعواتهما للمجتمع الدولي للتدخل والضغط على إثيوبيا للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. وأكدت الدولتان على ضرورة تبادل المعلومات والبيانات بشكل مستمر وشفاف لضمان سلامة السد وتجنب أي تداعيات سلبية على حياة الملايين الذين يعيشون على ضفاف النيل. تظل الحاجة ماسة إلى حوار بناء ومفاوضات جادة تهدف إلى تحقيق حل عادل ومستدام يحفظ حقوق ومصالح جميع الأطراف.
الخلاصة: تحديات قائمة وحلول مرجوة
تُظهر أحدث صور سد النهضة بعد الفيضانات أن القضية لا تزال تشكل تحدياً كبيراً يتجاوز مجرد الاعتبارات الفنية والهندسية ليلامس جوهر الأمن المائي والتعاون الإقليمي. يبقى التوصل إلى اتفاق شامل هو السبيل الوحيد لتبديد المخاوف وضمان الاستقرار في حوض النيل، وتحويل السد من مصدر محتمل للتوتر إلى أداة للتنمية والتعاون المشترك.




