خلف ركام غزة.. نشاط إسرائيلي "غامض" يثير المخاوف
كشفت تقارير إعلامية حديثة، أبرزها ما نشرته صحيفة هآرتس العبرية يوم الاثنين، عن نشاط عسكري إسرائيلي "غامض" داخل قطاع غزة يتمثل في التخلص من كميات ضخمة من النفايات ومخلفات البناء. تجري هذه العمليات في مناطق تخضع للسيطرة العملياتية للجيش الإسرائيلي داخل القطاع، وقد أثارت هذه الممارسات مخاوف متزايدة تتعلق بالآثار البيئية والصحية المدمرة، بالإضافة إلى تحذيرات أمنية من إمكانية استغلال هذه الأنشطة من قبل حركة حماس.

خلفية الوضع في غزة
يمر قطاع غزة بفترة هي الأكثر تدميراً في تاريخه الحديث، حيث أدت الأشهر الماضية من الصراع إلى مستويات غير مسبوقة من الدمار المادي. تحولت مساحات شاسعة من القطاع إلى أنقاض، ودُمرت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك أنظمة إدارة النفايات والصرف الصحي، بشكل كامل أو جزئي. هذه الظروف تخلق بيئة بالغة الصعوبة فيما يتعلق بالصحة العامة والنظافة، مما يجعل أي إضافة للنفايات مشكلة حرجة. يسيطر الجيش الإسرائيلي على مناطق معينة داخل القطاع، خاصة على طول الحدود وفي المناطق التي يعتبرها حيوية لعملياته العسكرية.
تفاصيل النشاط الإسرائيلي المثير للجدل
وفقاً لتقارير صحيفة هآرتس، يقوم الجيش الإسرائيلي بالتخلص من أطنان من النفايات، التي تشمل ركام المباني المدمرة والنفايات التشغيلية العامة المتراكمة أثناء العمليات العسكرية. تتم هذه العمليات في مواقع يُعتقد أنها تقع ضمن مناطق السيطرة الإسرائيلية داخل غزة. يشير التقرير إلى حجم هائل لهذه العمليات، مما يوحي بأنها جزء من مجهود منظم ومستمر. يثير اختيار هذه المواقع داخل غزة للتخلص من النفايات، بدلاً من نقلها إلى داخل إسرائيل، تساؤلات حول الأسباب والدوافع الحقيقية، وهو ما يضيف إلى طابع الغموض المحيط بهذه الأنشطة.
- نوعية النفايات: تشمل أساساً مخلفات الهدم من المباني والبنى التحتية المدمرة، إلى جانب النفايات العسكرية والفضلات العامة.
- المواقع: تتم عمليات التخلص في مناطق داخل قطاع غزة تخضع للسيطرة العملياتية للجيش الإسرائيلي، مع عدم وجود إفصاحات رسمية عن المواقع الدقيقة.
- حجم النشاط: تُوصف الكميات المتخلص منها بأنها "ضخمة"، مما يعكس طبيعة العملية واسعة النطاق.
مخاوف بيئية وصحية
تشكل هذه الممارسات خطراً وشيكاً وطويل الأمد على البيئة والصحة العامة في قطاع غزة الذي يعاني أصلاً من ندرة الموارد الطبيعية وتلوث بيئي واسع النطاق. إن التخلص غير المنظم للنفايات، وخاصة مخلفات البناء التي قد تحتوي على مواد خطرة، يحمل عواقب وخيمة:
- تلوث المياه الجوفية: احتمالية تسرب الملوثات من النفايات إلى مصادر المياه الجوفية، مما يهدد موارد مياه الشرب الشحيحة والضرورية لبقاء السكان.
- تدهور جودة التربة: تأثير سلبي على الأراضي الزراعية المتبقية، مما يعيق أي محاولات مستقبلية للتعافي الاقتصادي والغذائي.
- مخاطر صحية عامة: توفير بيئة خصبة لانتشار الأمراض المنقولة عبر القوارض والحشرات، وتفاقم الأوضاع الصحية للسكان المحاصرين الذين يفتقرون للرعاية الطبية الكافية.
- التأثير على جودة الهواء: في حال حرق النفايات، فإن ذلك سيؤدي إلى تلوث الهواء بمواد سامة، مما يؤثر على صحة الجهاز التنفسي للسكان.
تحذيرات أمنية واستغلال محتمل
بالإضافة إلى المخاوف البيئية، حذر خبراء أمنيون ومسؤولون من إمكانية استغلال حركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى لهذه الأنشطة. يمكن لعمليات نقل النفايات والتخلص منها على نطاق واسع، خاصة في مناطق لا تخضع لرقابة مدنية واضحة، أن توفر غطاءً أو فرصاً لأنشطة تكتيكية واستخباراتية:
- جمع المعلومات الاستخباراتية: قد تستغل حماس تحركات الآليات والمواقع المكشوفة لجمع معلومات حول العمليات الإسرائيلية أو البنى التحتية العسكرية.
- إعادة بناء الأنفاق: قد توفر أعمال الحفر وإزاحة الأنقاض غطاءً لجهود محتملة لإعادة بناء شبكة الأنفاق، التي تعتبر مكوناً حيوياً في استراتيجية حماس الدفاعية والهجومية.
- التستر على تحركات المقاتلين: يمكن استخدام هذه الأنشطة كستار لتحركات مقاتليها أو نقل المعدات في المناطق التي تشهد نشاطاً إسرائيلياً مكثفاً.
- تكتيكات الإلهاء: قد تستغل الفوضى البيئية والإنسانية الناجمة عن هذه الممارسات لإلهاء القوات الإسرائيلية أو المجتمع الدولي عن أنشطتها الخاصة.
مطالبات بالشفافية والمساءلة
ينص القانون الإنساني الدولي على التزامات السلطة القائمة بالاحتلال تجاه السكان المدنيين والبيئة في الأراضي المحتلة. يرى العديد من النقاد والمنظمات الحقوقية أن هذه الممارسات قد تشكل انتهاكاً لتلك الالتزامات. دعت منظمات حقوق الإنسان وهيئات دولية إلى تقديم توضيحات فورية من السلطات الإسرائيلية بشأن طبيعة هذه العمليات وحجمها والضمانات البيئية (إن وجدت). كما توجد مطالبات بتوفير خطط بديلة للتخلص من النفايات وبالمساءلة في حال حدوث أضرار بيئية أو خروقات أمنية.
الآثار المستقبلية
تمتد التداعيات طويلة الأمد لهذا النشاط "الغامض" إلى ما هو أبعد من المخاوف البيئية والأمنية المباشرة. يمكن أن تعقد هذه الممارسات بشكل كبير جهود إعادة الإعمار المستقبلية في غزة، مما يجعل مساحات واسعة من الأراضي غير صالحة للسكن أو تتطلب معالجة مكلفة وشاملة. علاوة على ذلك، تضيف هذه القضية طبقة أخرى من التوتر وانعدام الثقة في منطقة متوترة أصلاً، مما يؤثر على الاستقرار وآفاق السلام المستقبلية. ويواصل المجتمع الدولي مراقبة الوضع عن كثب، مؤكداً على الحاجة الملحة للالتزام بالقانون الدولي والمبادئ الإنسانية في خضم الأزمة المستمرة في غزة.





