الصليب الأحمر يتسلم جثامين ثلاثة أسرى من غزة تمهيداً لنقلها لإسرائيل
في تطور يعكس الجانب الإنساني المعقد للصراع الدائر، أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخراً أن فرق تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) قد تسلمت جثامين ثلاثة أسرى من قطاع غزة. وتأتي هذه الخطوة كجزء من عملية تهدف إلى نقل هذه الجثامين إلى السلطات الإسرائيلية لإجراء عمليات التعرف عليها وتسليمها لعائلاتهم. ويعد هذا الحدث مؤشراً آخر على الجهود المتواصلة، غالباً ما تكون خلف الكواليس، للتعامل مع مصير المفقودين والمحتجزين في ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة.

الخلفية والسياق
تتمتع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ طويل وحضور راسخ في المنطقة، حيث تعمل كوسيط إنساني محايد بين الأطراف المتصارعة. ويشمل دورها الأساسي ضمان احترام القانون الإنساني الدولي، وتسهيل تبادل الأسرى والمعتقلين، فضلاً عن إعادة الجثامين. منذ اندلاع الصراع الأخير في السابع من أكتوبر 2023، وما تلاه من عمليات عسكرية واسعة النطاق في غزة، تصاعدت قضية الأسرى والمفقودين لتصبح محوراً رئيسياً للضغط السياسي والإنساني.
وقد شهد التاريخ الحديث للصراع الإسرائيلي الفلسطيني العديد من الحالات التي تم فيها تبادل جثامين ومحتجزين، غالباً بوساطة دولية أو منظمات مثل الصليب الأحمر. وتكتسب هذه العمليات أهمية قصوى للأسر والعائلات التي تنتظر أي معلومات عن أحبائها، وتوفر لهم قدراً من الإغلاق في ظروف غاية في الصعوبة. إن وجود الصليب الأحمر كطرف محايد يسهل مثل هذه العمليات الحساسة، خاصة في غياب قنوات اتصال مباشرة وفعالة بين الأطراف.
تفاصيل عملية التسليم
وفقاً للتقارير الأولية، أكد الجيش الإسرائيلي أن عملية التسليم تمت من خلال فرق الصليب الأحمر التي استقبلت الجثامين داخل قطاع غزة، ثم شرعت في نقلها نحو الأراضي الإسرائيلية. وتشمل الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات فحصاً طبياً شرعياً دقيقاً لتحديد هوية الجثامين بشكل قاطع. هذه العملية ضرورية للتأكد من هويات الأفراد قبل إبلاغ عائلاتهم. ولم يتم الإفصاح عن تفاصيل حول مكان التسليم الدقيق داخل غزة أو نقطة العبور التي استخدمت لنقل الجثامين، وذلك لأسباب أمنية ولوجستية عادةً.
تجري هذه العمليات في بيئة معقدة ومليئة بالتحديات، تتطلب تنسيقاً مكثفاً بين جميع الأطراف المعنية. ويؤكد الصليب الأحمر دائماً على طبيعة دوره الإنساني البحت، الذي ينصب على تخفيف المعاناة وحماية كرامة الإنسان، حتى بعد الوفاة. وتعد هذه الخطوة جزءاً من التزام المنظمة بضمان معاملة الجثامين بكرامة واحترام، وفقاً للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.
ردود الفعل والتداعيات
تثير أنباء تسليم جثامين المحتجزين ردود فعل متباينة، وتلقي بظلالها على المشهد السياسي والإنساني العام. فبالنسبة للعائلات، يمثل هذا الحدث مزيجاً من الألم العميق والشعور المرير بالإغلاق. ففي حين أن فقدان عزيز مؤلم، فإن معرفة مصيره وإعادته للدفن اللائق قد يوفر بعض العزاء. وقد عبرت عائلات الأسرى الإسرائيليين والمفقودين عن مطالبتها المستمرة للحكومة ببذل كل ما في وسعها لإعادة أبنائها، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، وتزداد هذه الضغوط مع كل تطور جديد في ملف الأسرى.
من الناحية السياسية، يمكن أن يكون لمثل هذه العمليات تأثيرات على مفاوضات تبادل الأسرى الجارية أو المحتملة. فقد تُفسر أحياناً على أنها بادرة حسن نية أو جزء من تفاهمات أوسع، أو قد تسلط الضوء على التعقيدات والعقبات التي تعترض التوصل إلى حل شامل. وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فإن إعادة جثامين مواطنيها هي التزام أخلاقي وسياسي حيوي، ويعتبر فشل تحقيق ذلك مصدراً لانتقادات داخلية حادة. كما تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مثل هذه الظروف على أهمية استمرار جميع الأطراف في تسهيل عملها الإنساني الحيوي، بما في ذلك الوصول إلى المحتجزين وتبادل المعلومات عن المفقودين.
أهمية الخبر
يعد هذا الخبر ذا أهمية قصوى لعدة أسباب. أولاً، إنه يلقي الضوء على الجانب الإنساني المأساوي للصراع، حيث لا تقتصر المعاناة على الأحياء فقط، بل تمتد لتشمل مصير الأموات وكرامة معاملتهم. ثانياً، يؤكد على الدور الحاسم للمنظمات الدولية المحايدة، مثل الصليب الأحمر، في تسهيل العمليات الإنسانية في مناطق النزاع، حيث تكون قنوات الاتصال الرسمية مقطوعة أو محدودة. فبدون هذه الوساطة، قد تظل الجثامين غير معرفة أو غير مستردة لفترات طويلة، مما يضيف إلى معاناة العائلات.
ثالثاً، يُسلط الضوء على الضغوط السياسية والاجتماعية المستمرة المتعلقة بقضية الأسرى والمفقودين. هذه القضية غالباً ما تتجاوز الاعتبارات العسكرية وتدخل في صميم النسيج الاجتماعي والسياسي لكلا الجانبين. وأخيراً، فإن كل عملية تسليم، حتى لو كانت لجثامين، تذكر العالم بأن هناك أبعاداً إنسانية عميقة وراء كل التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، وتجدد الدعوات للتوصل إلى حلول مستدامة تضمن حقوق وكرامة جميع المتضررين.
يظل مصير بقية الأسرى والمفقودين، سواء الأحياء أو الأموات، أولوية قصوى على الأجندة الإنسانية والسياسية، وتستمر الجهود الدبلوماسية والإنسانية في البحث عن حلول لهذه القضية الشائكة.





