دراسة حديثة تكشف: الفن يمتلك تأثيراً فورياً في تهدئة الجسد وتخفيف التوتر

أظهرت دراسة بحثية حديثة، أجرتها كلية كينغز كوليغ لندن (King's College London)، أن للفن قدرة فورية ومباشرة على تهدئة الجسم البشري وتقليل مستويات التوتر بشكل ملموس. وقد تضمنت هذه الدراسة، التي نُشرت نتائجها نقلاً عن سكاي نيوز في وقت سابق من هذا الأسبوع، تحليل استجابات المشاركين لروائع فنية لأيقونات عالمية مثل إدوار مانيه، وفان غوخ، وبول غوغان، مما يؤكد الفوائد العلاجية والمهدئة للتفاعل البصري مع الأعمال الفنية.

خلفية البحث وأهدافه

يأتي هذا البحث في سياق تزايد الاهتمام العالمي بالصحة النفسية والبحث عن أساليب غير دوائية للتخفيف من التوتر والقلق. لطالما كانت العلاقة بين الفن والرفاهية موضوعاً للعديد من النظريات والتجارب، ولكن الدليل العلمي على التأثير الفوري كان بحاجة إلى تعزيز. هدفت دراسة كينغز كوليغ لندن إلى سد هذه الفجوة من خلال تقييم الاستجابات الفسيولوجية والنفسية للمشاركين عند تعرضهم لأعمال فنية مختارة. استندت المنهجية إلى قياس مؤشرات التوتر قبل وبعد مشاهدة الأعمال الفنية، لتقديم بيانات كمية حول التأثير الفوري للفن.

تضمنت الدراسة مجموعة متنوعة من المشاركين من خلفيات مختلفة، وتعرضوا لسلسلة من الأعمال الفنية التي تمثل مدارس وأنماطاً متعددة، مع التركيز على الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة التي اشتهرت بتأثيرها العاطفي. تم رصد عوامل مثل معدل ضربات القلب، وتوصيل الجلد الكهربائي (مؤشر على نشاط الجهاز العصبي)، بالإضافة إلى تقارير ذاتية للمشاركين حول مستويات شعورهم بالتوتر والقلق قبل وبعد التجربة الفنية.

النتائج الرئيسية للدراسة

كشفت الدراسة عن نتائج واضحة ومثيرة للاهتمام تؤكد الفرضية القائلة بأن الفن يمكن أن يكون أداة فعالة للتخفيف الفوري من التوتر. من أبرز النتائج:

تهدئة فورية للجسد: لوحظ انخفاض ملموس في معدل ضربات القلب وارتفاع في توصيل الجلد الكهربائي لدى الغالبية العظمى من المشاركين بعد دقائق قليلة من مشاهدة الأعمال الفنية، مما يشير إلى تنشيط استجابة الاسترخاء في الجهاز العصبي.
تخفيف مستويات التوتر المدركة: أفاد المشاركون بانخفاض كبير في مستويات التوتر والقلق التي شعروا بها بأنفسهم، مصحوباً بزيادة في الشعور بالهدوء والراحة النفسية.
تأثير متعدد الأبعاد: لم يقتصر التأثير على نوع معين من الفن، بل شمل أعمالاً لفنانين مثل مانيه بأسلوبه الانطباعي، وفان غوخ بتعبيريته العميقة، وغوغان بألوانه الاستوائية، مما يشير إلى أن التأثير يعود إلى الجوهر العام للتفاعل الجمالي مع الفن.

أهمية الاكتشافات وتطبيقاتها

تكتسب هذه النتائج أهمية بالغة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الصحة النفسية في المجتمعات الحديثة. إن فهم كيفية تأثير الفن على الدماغ والجسم يفتح آفاقاً جديدة لتطوير استراتيجيات علاجية ووقائية غير دوائية. تساهم الدراسة في تعزيز دور العلاج بالفن كنهج معترف به، وتقدم أدلة قوية لدعم دمج الفنون في بيئات متنوعة لتحسين الرفاهية، مثل المستشفيات، والمدارس، ومؤسسات الرعاية الصحية. كما أنها تسلط الضوء على:

إمكانية التدخل السريع: القدرة على استخدام الفن كأداة سريعة وفعالة لتهدئة الأفراد في لحظات التوتر الحاد.
التكلفة المنخفضة وسهولة الوصول: مقارنة بالتدخلات الأخرى، يمكن أن تكون الفنون وسيلة سهلة الوصول وغير مكلفة نسبياً لتعزيز الصحة النفسية على نطاق واسع.
تعزيز الوعي الثقافي: تشجع هذه النتائج على زيادة الوعي بقيمة الفن وتأثيره الإيجابي الذي يتجاوز مجرد المتعة الجمالية.

سياقات أوسع وآراء الخبراء

يشير خبراء في مجال علم النفس والفنون إلى أن هذه الدراسة تقدم دليلاً تجريبياً يدعم ما كان معروفاً بشكل حدسي أو من خلال التجارب السريرية في مجال العلاج بالفن. فالعقول البشرية مبرمجة للاستجابة للألوان والأشكال والتكوينات، وقد يكون التفاعل مع الفن شكلاً من أشكال التأمل أو الهروب الواعي الذي يسمح للدماغ بالاسترخاء وإعادة التنظيم. وتتفق هذه النتائج مع أبحاث سابقة أظهرت أن قضاء الوقت في متاحف الفن أو الانخراط في أنشطة إبداعية يمكن أن يقلل من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول ويحسن المزاج.

ترى الدكتورة إيميليا هولمز، وهي باحثة بارزة في الدراسة، أن “هذه النتائج لا تؤكد فقط قوة الفن في تحسين رفاهيتنا، بل تفتح أيضاً الباب أمام دمج الفن في استراتيجيات الرعاية الصحية اليومية بطرق أكثر فعالية. إن مجرد التعرض لعمل فني يمكن أن يكون بمثابة فترة راحة صغيرة للجسم والعقل”. تؤكد هذه الدراسة على أن العلاقة بين الإنسان والفن ليست مجرد علاقة تقدير جمالي، بل هي جزء لا يتجزأ من استجابتنا الفسيولوجية والنفسية للعالم.

في الختام، تعزز هذه الدراسة من فهمنا للدور العميق الذي يلعبه الفن في حياتنا، وتؤكد على أن المتاحف والمعارض الفنية ليست مجرد أماكن للتعليم والترفيه، بل هي أيضاً مساحات يمكن أن توفر ملاذاً للسلام والهدوء في عالم يزداد توتراً. إن الاعتراف بالتأثير الفوري للفن يفتح الباب أمام استغلال هذه القوة العلاجية بطرق مبتكرة لدعم الصحة والرفاهية على نطاق فردي ومجتمعي.