أردوغان وستارمر يبحثان في أنقرة سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وبريطانيا
في خطوة دبلوماسية بارزة، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين 29 يوليو 2024، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في العاصمة التركية أنقرة. وشكل اللقاء، الذي عُقد في المجمع الرئاسي، مناسبة لإجراء محادثات معمقة تناولت سبل تطوير العلاقات الثنائية ومناقشة أبرز القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مما يعكس الأهمية التي يوليها كلا البلدين لشراكتهما الاستراتيجية.

تفاصيل اللقاء ومباحثات رفيعة المستوى
بدأت الزيارة بلقاء ثنائي مغلق بين الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء ستارمر، أتاح لهما تبادل وجهات النظر بشكل مباشر حول القضايا المحورية. وعقب هذا اللقاء، ترأس الزعيمان اجتماعاً موسعاً ضم وفدين رفيعي المستوى من الجانبين. وشارك في الاجتماع من الجانب التركي شخصيات بارزة من بينها وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع ياشار غولر، ووزير التجارة عمر بولات، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، مما يشير إلى الطابع الشامل للمباحثات التي غطت الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية.
وتُعد هذه الزيارة من أولى الجولات الخارجية المهمة لستارمر منذ توليه رئاسة وزراء المملكة المتحدة، وهو ما يبعث برسالة واضحة حول نية حكومة حزب العمال الجديدة تعزيز التحالفات القائمة، خاصة مع شركاء استراتيجيين خارج الاتحاد الأوروبي مثل تركيا، التي تلعب دوراً محورياً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفي استقرار المنطقة.
أبرز الملفات على طاولة البحث
شملت أجندة المباحثات مجموعة واسعة من الموضوعات الحيوية التي تعكس عمق العلاقات بين البلدين وتعدد أبعادها. ومن أبرز هذه الملفات:
- التعاون الاقتصادي والتجاري: أكد الجانبان على ضرورة تعزيز التبادل التجاري بينهما، والذي بلغ مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. وتركزت النقاشات حول تحديث اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين لتشمل قطاعات جديدة مثل الخدمات والتجارة الرقمية والاستثمارات، بهدف الوصول إلى حجم تجاري يتجاوز 30 مليار دولار سنوياً.
- الصناعات الدفاعية والأمن: شكل التعاون في مجال الدفاع أحد أعمدة النقاش، حيث تعد تركيا والمملكة المتحدة شريكين رئيسيين في هذا القطاع. وتم استعراض المشاريع المشتركة القائمة، وبحث إمكانيات توسيعها لتشمل مجالات جديدة، بما يعزز القدرات الدفاعية للبلدين ضمن إطار حلف الناتو.
- مكافحة الإرهاب: شدد الجانب التركي على أهمية تعاون بريطانيا في مكافحة التنظيمات التي تصنفها أنقرة إرهابية، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني (PKK) وتنظيم غولن (FETO). وطالبت تركيا باتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد أنشطة هذه الجماعات على الأراضي البريطانية.
- القضايا الإقليمية والدولية: استحوذ الوضع في غزة على حيز كبير من المباحثات، حيث اتفق الزعيمان على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري وإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مع التأكيد على دعمهما لحل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق سلام دائم. كما نوقشت الحرب في أوكرانيا، حيث جدد الطرفان دعمهما لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، تم التطرق إلى ملف قبرص وضرورة إيجاد حل عادل ومستدام للقضية.
أهمية الزيارة في سياقها الحالي
تكتسب هذه الزيارة أهميتها من كونها تأكيداً على استمرارية وقوة الشراكة الاستراتيجية بين أنقرة ولندن في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية. فبالنسبة للمملكة المتحدة في مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، يمثل تعميق العلاقات مع دول فاعلة مثل تركيا ركيزة أساسية في سياستها الخارجية "بريطانيا العالمية". ومن جهة أخرى، تسعى تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الغربية الكبرى، وتعتبر بريطانيا حليفاً تاريخياً مهماً وشريكاً اقتصادياً لا غنى عنه.
ويأتي اللقاء في وقت يشهد فيه العالم تحديات متزايدة، بدءاً من الصراعات الإقليمية وصولاً إلى الأزمات الاقتصادية، مما يجعل التنسيق بين حلفاء الناتو أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين. ويعكس الاجتماع رغبة مشتركة في مواجهة هذه التحديات عبر الحوار والتعاون البنّاء.





