أزمة الأنقاض في غزة: 61 مليون طن من الركام تعيق الحياة وإعادة الإعمار
تفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة لتصل إلى أبعاد كارثية، حيث كشفت تقديرات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة عن وجود ما يقدر بنحو 61 مليون طن من الأنقاض والركام نتيجة للعمليات العسكرية المستمرة منذ أواخر عام 2023. هذا الرقم الهائل لا يمثل فقط دمارًا ماديًا واسع النطاق، بل يشكل أيضًا عقبة كبرى أمام أي جهود إغاثية حالية ومستقبلية لإعادة بناء القطاع واستئناف الحياة الطبيعية لسكانه.

خلفية الأزمة
اندلعت الأعمال القتالية الحالية في أكتوبر 2023، وأدت إلى تدمير منهجي للبنية التحتية والمباني السكنية في جميع أنحاء قطاع غزة. وقد خلّفت الغارات الجوية المكثفة والعمليات البرية دمارًا هائلاً، حيث تحولت أحياء سكنية بأكملها ومؤسسات حيوية مثل المستشفيات والمدارس والجامعات إلى أكوام من الركام. ووفقًا لتقارير دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS)، فإن حجم الدمار الحالي يفوق بكثير ما شهده القطاع في جولات الصراع السابقة مجتمعة.
حجم الكارثة بالأرقام
يشير تقدير وجود 61 مليون طن من الأنقاض إلى تحدٍ لوجستي وبيئي هائل. هذه الكمية الضخمة من الركام ليست مجرد كتل خرسانية وحديد، بل هي خليط معقد من مواد البناء المدمرة، والممتلكات الشخصية للسكان، والمواد الخطرة، بالإضافة إلى قضيتين محوريتين تزيدان من تعقيد المشهد:
- الذخائر غير المنفجرة: تقدر الأمم المتحدة أن كمية كبيرة من القنابل والصواريخ التي أُطلقت على القطاع لم تنفجر، وهي الآن مدفونة وسط الأنقاض، مما يشكل خطرًا مميتًا على المدنيين وفرق إزالة الركام.
 - الجثامين تحت الركام: لا تزال آلاف الجثامين لضحايا الحرب محتجزة تحت أنقاض المباني المنهارة، مما يطرح تحديات إنسانية وصحية وقانونية معقدة أمام جهود انتشالها وتحديد هوياتها.
 
التحديات الإنسانية والبيئية
يتجاوز تأثير الأنقاض مجرد كونه عائقًا ماديًا، حيث تترتب عليه عواقب وخيمة على المدى القصير والطويل. فمن الناحية الإنسانية، يعيق الركام وصول المساعدات الطارئة إلى المناطق المتضررة، ويمنع السكان النازحين من العودة لتفقد منازلهم أو ما تبقى منها. كما أن تحلل المواد العضوية والجثامين تحت الركام يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة، خاصة مع تدمير أنظمة المياه والصرف الصحي.
بيئيًا، يمثل الركام قنبلة موقوتة. فالمواد الخطرة مثل الأسبستوس والمواد الكيميائية الناتجة عن احتراق المنشآت الصناعية يمكن أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية، مسببة تلوثًا طويل الأمد يهدد المصادر المائية والزراعية القليلة المتبقية في القطاع.
عقبات إعادة الإعمار
تُجمع المنظمات الدولية على أن عملية إزالة الأنقاض هي الخطوة الأولى والأساسية قبل التفكير في أي مشروع لإعادة الإعمار. وقد صرح مسؤولون في الأمم المتحدة بأن إزالة هذا الحجم من الركام قد تستغرق ما يزيد عن 14 عامًا في ظل الظروف المثالية، التي تتطلب توفير مئات الشاحنات والمعدات الثقيلة، وتمويلًا ضخمًا، وفرقًا متخصصة للتعامل مع الذخائر غير المنفجرة.
إن التحدي لا يقتصر على الإزالة فحسب، بل يمتد إلى كيفية معالجة الركام وإعادة تدويره، وهي عملية معقدة تتطلب تقنيات ومساحات واسعة قد لا تكون متوفرة بسهولة في قطاع صغير ومكتظ بالسكان مثل غزة. وبالتالي، فإن مستقبل إعادة بناء المنازل والمستشفيات والمدارس مرهون بالقدرة على التغلب على جبال الركام هذه أولاً.
الجهود الدولية والمستقبل المنظور
بدأت وكالات الأمم المتحدة، وعلى رأسها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS)، في التخطيط لهذه المهمة الضخمة، وأطلقت نداءات للمجتمع الدولي لتوفير الدعم المالي والتقني اللازم. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود مرتبطة بوقف مستدام لإطلاق النار والسماح بإدخال المعدات والخبراء اللازمين إلى القطاع. في الوقت الحالي، يبقى مستقبل غزة غارقًا تحت وطأة الدمار، حيث يمثل كل طن من الأنقاض قصة مأساة إنسانية وعقبة في طريق التعافي.





