أزمة بي بي سي: استقالة رئيس مجلس الإدارة تثير تساؤلات حول استقلالية الهيئة
في تطور هز المشهد الإعلامي البريطاني في أبريل 2023، أعلن رئيس مجلس إدارة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ريتشارد شارب، عن استقالته من منصبه. جاء هذا القرار عقب نشر تقرير مستقل خلص إلى أنه انتهك قواعد التعيينات العامة عبر إخفاقه في الكشف عن دوره في تسهيل ضمان قرض لرئيس الوزراء آنذاك، بوريس جونسون. وقد أدت هذه الاستقالة إلى تفاقم الجدل الدائر حول حيادية بي بي سي وعلاقتها بالحكومة القائمة.

خلفية الأزمة
بدأ الجدل المحيط بالقضية مع الكشف عن علاقة شارب بتسهيل الحصول على تسهيل ائتماني بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني لبوريس جونسون في أواخر عام 2020. في ذلك الوقت، كان شارب، وهو مصرفي سابق ومتبرع لحزب المحافظين، يتقدم بطلب لشغل منصب رئيس مجلس إدارة بي بي سي. وذُكر أنه قام بتقديم سام بليث، وهو قريب بعيد لجونسون كان يسعى لمساعدة رئيس الوزراء في صعوباته المالية، إلى أمين مجلس الوزراء. لم يكشف شارب عن هذا الدور خلال عملية تعيينه، وهو ما شكل جوهر المشكلة.
التحقيق ونتائجه
في أعقاب الضغط الشعبي ودعوات من أحزاب المعارضة، تم إطلاق تحقيق مستقل بقيادة المحامي آدم هيبينستول. التقرير، الذي نُشر في 28 أبريل 2023، خلص إلى أن شارب قد انتهك مدونة الحوكمة للتعيينات العامة. وجاء في التقرير أن الفشل في الكشف عن هذه المعلومات خلق تصوراً بوجود تضارب في المصالح، حتى لو لم يكن مقصوداً.
- أشار التقرير إلى أن شارب فشل في الكشف عن تضارب محتمل في المصالح أمام لجنة التعيينات.
- أوضح أن هذا الإخفاق قد يخلق تصوراً لدى الجمهور بأنه لم يتم تعيينه على أساس الجدارة وحدها.
- على الرغم من أن التقرير لم يزعم أن شارب أخفى المعلومات بشكل متعمد، إلا أنه اعتبر الخرق كبيراً بما يكفي لتقويض الثقة في عملية التعيين.
تداعيات الاستقالة وردود الفعل
في بيان استقالته، صرح شارب بأنه يتنحى من أجل "إعطاء الأولوية لمصالح بي بي سي". وأصر على أن خرقه للقواعد كان "غير مقصود وغير جوهري"، لكنه أقر بأن استمراره في المنصب قد يكون "مصدر إلهاء عن العمل الجيد الذي تقوم به الهيئة".
من جهته، رحب حزب العمال المعارض بالاستقالة، معتبراً أنها كانت "حتمية" وأن القضية أضرت بثقة الجمهور في بي بي سي، ودعا إلى إصلاحات في إجراءات التعيينات العامة لضمان قدر أكبر من الشفافية. وفي المقابل، أقرت الحكومة بقراره وشكرته وزيرة الثقافة على عمله، إلا أن الحادثة سلطت الضوء على إجراءات التعيين التي تتبعها الحكومة نفسها.
الأهمية والسياق الأوسع
تأتي استقالة شارب في وقت حرج بالنسبة لبي بي سي، حيث تواجه الهيئة ضغوطاً هائلة تتعلق بنموذج تمويلها، خاصة مستقبل رسوم الترخيص التلفزيوني، وتتعرض باستمرار لاتهامات بالتحيز السياسي من مختلف أطياف المشهد السياسي. تغذي هذه الحادثة المخاوف من أن عملية تعيين القيادات العليا في بي بي سي مسيّسة بشكل مفرط، مما قد يضر باستقلالية الهيئة التي طالما اعتُبرت ركيزة أساسية لعملها.
يُنظر إلى هذه الأزمة، التي تأتي في أعقاب الجدل الذي أثارته قضية إيقاف مقدم البرامج الرياضية غاري لينيكر بسبب تغريدة سياسية، على أنها تزيد من التحديات التي يواجهها المدير العام تيم ديفي في قيادة الهيئة خلال فترة من التدقيق السياسي والإعلامي المكثف. ويعتبر البحث عن رئيس جديد لمجلس الإدارة الآن اختباراً حاسماً لالتزام الحكومة بالحفاظ على دور بي بي سي كخدمة بث عامة ومستقلة.





