أسباب تباين الاهتمام الدولي بالصراع في السودان والحرب في غزة
في الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام العالمي بشكل كبير على الحرب في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، تتفاقم في السودان أزمة إنسانية كارثية بدأت قبلها بأشهر، وتحديداً في أبريل 2023، وسط صمت دولي وإعلامي نسبي. على الرغم من أن كلا الصراعين قد خلفا دماراً هائلاً ومعاناة إنسانية واسعة النطاق، إلا أن الفجوة في مستوى الاهتمام السياسي والتغطية الإعلامية بينهما تثير تساؤلات حول العوامل التي تحدد أولويات المجتمع الدولي.

حجم الكارثة الإنسانية في كلا الصراعين
لفهم أبعاد التباين في الاهتمام، من الضروري مقارنة حجم الأزمتين بالأرقام. فالحرب في السودان قد تحولت بهدوء إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، بينما أدت الحرب في غزة إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الحياتية في القطاع.
- في السودان:
- النزوح: فرّ أكثر من 10 ملايين شخص من ديارهم، بينهم ما يزيد على 8 ملايين نازح داخل البلاد، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم.
- الجوع: يواجه ما يقرب من 18 مليون سوداني انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع تحذيرات أممية من مجاعة وشيكة في مناطق مثل دارفور وكردفان.
- الضحايا: تقدر أعداد القتلى بعشرات الآلاف، وسط تقارير موثقة عن فظائع وجرائم حرب، بما في ذلك عنف عرقي وجنسي واسع النطاق، خاصة في إقليم دارفور.
- في غزة:
- الضحايا: أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 37,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في القطاع.
- النزوح والدمار: نزح ما يقرب من 1.7 مليون شخص، أي حوالي 80% من سكان القطاع، مع تدمير هائل للبنية التحتية والمنازل والمستشفيات.
- الأزمة الإنسانية: يعاني السكان من انهيار النظام الصحي ونقص حاد في الغذاء والماء والدواء، مما دفع بوكالات الأمم المتحدة إلى التحذير من خطر المجاعة.
العوامل الجيوسياسية ومصالح القوى الكبرى
يعود جزء كبير من هذا التفاوت في الاهتمام إلى الأهمية الجيوسياسية لكل صراع. فالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل تحتل موقعاً مركزياً في السياسة الدولية منذ عقود، حيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح قوى عالمية كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. كما أن تداعيات الحرب في غزة تمتد إقليمياً، وتؤثر على استقرار الشرق الأوسط ومسارات التجارة العالمية، كما حدث في البحر الأحمر، مما يفرض حضورها الدائم على الأجندة الدولية.
في المقابل، غالباً ما يُنظر إلى الصراع في السودان، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، على أنه شأن داخلي أو صراع على السلطة، على الرغم من التدخلات الإقليمية. وبسبب غياب التهديد المباشر للمصالح الاستراتيجية الغربية الكبرى، فإن الاستجابة الدبلوماسية والسياسية الدولية كانت أبطأ وأقل حسماً.
تحديات التغطية الإعلامية وصياغة الرواية
تلعب وسائل الإعلام دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام وتوجيه الاهتمام الدولي. في حالة السودان، يواجه الصحفيون تحديات هائلة، منها المخاطر الأمنية الشديدة، وصعوبة الحصول على تصاريح، بالإضافة إلى قطع الاتصالات والإنترنت بشكل متكرر من قبل الأطراف المتحاربة، مما يعيق تدفق المعلومات والصور من الميدان.
أما الصراع في غزة، فعلى الرغم من خطورته البالغة على الصحفيين، إلا أنه يحظى بوجود بنية تحتية إعلامية دولية راسخة منذ زمن طويل. كما أن نشاط الشتات الفلسطيني وشبكات المناصرة العالمية يسهم في إبقاء القضية حية في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، بينما الرواية السائدة حول الصراع، رغم تعقيداتها، تبدو أكثر قابلية للفهم لدى الجمهور العالمي مقارنة بالصراع السوداني متعدد الأطراف والأسباب.
أثر التحيز العنصري والبعد الجغرافي
يطرح العديد من المحللين والناشطين فرضية وجود تحيز منهجي وعنصري في تحديد الأزمات التي تستحق الاهتمام. إذ يُلاحظ أن الأزمات الإنسانية التي تحدث في أفريقيا وتطال سكاناً من ذوي البشرة السمراء، مثل السودان أو إثيوبيا أو الكونغو، لا تحظى بنفس القدر من التعاطف والتغطية الإعلامية التي حظيت بها أزمات أخرى مثل أوكرانيا أو حتى غزة. ويُعزى ذلك جزئياً إلى ما يُعرف بـ"التحيز القائم على القرب"، حيث يميل الجمهور وصناع القرار في الغرب إلى التفاعل أكثر مع القضايا التي يشعرون أنها أقرب إليهم جغرافياً أو ثقافياً.





