أكاديمي إماراتي يقدم مقترحًا لإنهاء النزاع العسكري في السودان
قدم الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، مؤخرًا، مقترحًا يهدف إلى إيجاد مخرج من النزاع العسكري المستمر في السودان. يرتكز هذا المقترح على ركيزتين أساسيتين: دعم القوى المدنية في البلاد وتمكينها من استعادة دورها، بالإضافة إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في السودان منظمة إرهابية. ويرى عبدالله أن هذه الخطوات قد تشكل مدخلًا حاسمًا لوقف التصعيد العسكري وإرساء أساس للسلام والاستقرار.

خلفية النزاع السوداني
اندلع الصراع المسلح في السودان في منتصف أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). جاء هذا التصعيد بعد أشهر من التوترات المتزايدة حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، وهو ملف كان جزءًا أساسيًا من الاتفاق الإطاري الذي يهدف إلى انتقال السلطة نحو حكم مدني ديمقراطي بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في عام 2019 والانقلاب العسكري الذي تلاه في أكتوبر 2021.
تسبب النزاع في كارثة إنسانية واسعة النطاق، حيث أدت المعارك العنيفة، خاصة في العاصمة الخرطوم ودارفور، إلى مقتل الآلاف وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا، مما يجعلها واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم. دمرت البنية التحتية بشكل كبير، وعانى ملايين السودانيين من انعدام الأمن الغذائي الحاد ونقص الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والمياه النظيفة. وقد فشلت جهود الوساطة الإقليمية والدولية المتعددة حتى الآن في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار أو التوصل إلى حل سياسي شامل.
تفاصيل المقترح الأكاديمي
وفقًا لرؤية الأكاديمي عبدالخالق عبدالله، فإن إنهاء النزاع يتطلب نهجًا متعدد الأوجه. الجزء الأول من مقترحه يشدد على ضرورة دعم القوى المدنية السودانية. يرى عبدالله أن تمكين هذه القوى وتقديم الدعم اللازم لها، سواء كان سياسيًا أو لوجستيًا أو ماليًا، سيساعدها على استعادة عافيتها وتوحيد صفوفها لتكون قادرة على ملء الفراغ السياسي وتقديم بديل حقيقي للحكم العسكري. هذا الدعم يهدف إلى تعزيز مسار الانتقال الديمقراطي وتمكين صوت الشعب السوداني من تحديد مستقبله بعيدًا عن سطوة السلاح. ويُعتقد أن القوى المدنية، بتمثيلها الواسع لأطياف المجتمع، هي الأقدر على بناء توافق وطني يقود البلاد نحو الاستقرار.
أما الركيزة الثانية للمقترح، فتتعلق بـ تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في السودان منظمة إرهابية. من وجهة نظر عبدالله، فإن هذه الخطوة ضرورية لإزالة أحد العوامل التي يُنظر إليها على أنها تساهم في إذكاء الانقسامات وعدم الاستقرار في المشهد السياسي السوداني. تاريخيًا، لعبت جماعة الإخوان المسلمين أدوارًا معقدة في السودان، خاصة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق عمر البشير الذي وصل إلى السلطة بدعم من الجبهة الإسلامية القومية. ويرى مؤيدو هذا الطرح أن تجفيف منابع الدعم لأي جماعات ذات أجندات قد تتناقض مع فكرة الدولة المدنية الديمقراطية يمكن أن يمهد الطريق لتوحيد الجبهة المدنية وتقليل فرص التصعيد.
السياق الإقليمي والدولي للمبادرات
يأتي هذا المقترح في وقت تتزايد فيه الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل للأزمة السودانية. فقد استضافت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة محادثات جدة المتعددة الجولات، والتي هدفت إلى تأمين وقف إطلاق نار إنساني وإنشاء مسار سياسي. كما حاولت منظمات إقليمية مثل الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) لعب دور وسيط، إلا أن جميع هذه المبادرات واجهت تحديات كبيرة بسبب عدم التزام الأطراف المتحاربة بالاتفاقيات وتعدد الفاعلين السياسيين والعسكريين في البلاد.
يعكس طرح عبدالخالق عبدالله اهتمامًا إماراتيًا واسعًا بالاستقرار الإقليمي، حيث تولي دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة لإنهاء الصراعات في منطقة القرن الأفريقي. وغالبًا ما تنعكس رؤى الأكاديميين والمحللين في الدول المؤثرة على توجهات السياسات الخارجية وتقدم أفكارًا يمكن أن تسهم في صياغة الحلول أو على الأقل تحفيز النقاش حولها.
لماذا يهم هذا المقترح؟
يكتسب هذا المقترح أهميته من عدة جوانب. أولًا، يبرز الحاجة الملحة إلى مقاربات جديدة للتعامل مع النزاع السوداني بعد فشل الجهود السابقة. ثانيًا، يسلط الضوء على الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه القوى المدنية في بناء السلام الدائم، وهو ما يتماشى مع مطالبات المجتمع الدولي بضرورة العودة إلى مسار التحول الديمقراطي. ثالثًا، يثير المقترح نقاشًا حول طبيعة وأسباب عدم الاستقرار السياسي في السودان، بما في ذلك الأدوار التاريخية لبعض الجماعات السياسية. ورغم أن تصنيف جماعة معينة قد يكون مثيرًا للجدل داخليًا ودوليًا، إلا أنه يعكس وجهة نظر ترى ضرورة معالجة جذور الانقسام لضمان سلام مستدام.
في الختام، يمثل مقترح الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله إضافة إلى الحوار المستمر حول كيفية إنهاء الأزمة السودانية. فبينما تظل تعقيدات المشهد السوداني هائلة، فإن أي رؤية تقدم سبلًا لتمكين الحكم المدني ونزع فتيل التوترات السياسية تستحق الدراسة والبحث، في سعي حثيث لاستعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد المهم في المنطقة.





