أكثر من نصف مليون مستخدم لتشات جي بي تي يواجهون أعراضًا مقلقة
تتزايد المخاوف بشأن التأثير النفسي المحتمل للتعامل المتزايد مع نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتحديداً تشات جي بي تي. ففي خضم الجدل المتنامي حول الاستخدام المكثف لهذه التقنيات، تبرز تساؤلات جدية حول صحة المستخدمين العقلية. تشير بعض التقديرات والمناقشات الدائرة إلى أن مئات الآلاف من مستخدمي تشات جي بي تي قد يواجهون أعراضًا نفسية مقلقة نتيجة تفاعلهم المتواصل مع هذه المنصات، مما يستدعي تدقيقاً أعمق في الأبعاد الخفية لهذه الثورة التكنولوجية وتأثيراتها طويلة المدى على الإنسان.

خلفية المشكلة: صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثيراته
منذ إطلاق OpenAI لنموذج تشات جي بي تي في أواخر عام 2022، شهد العالم ثورة غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. لقد أصبح هذا النموذج وأمثاله أدوات قوية قادرة على توليد نصوص، الإجابة على الأسئلة المعقدة، وحتى محاكاة الحوار البشري بدرجة عالية من الدقة. ومع تزايد أعداد المستخدمين التي تجاوزت 100 مليون في وقت قياسي، بدأت تظهر مخاوف جدية حول التأثيرات غير المتوقعة لهذه التقنية على الصحة النفسية للمستخدمين.
تضمنت النقاشات الأولية تحذيرات من إمكانية الاعتماد المفرط، أو تطوير علاقات عاطفية مع الروبوتات، أو حتى التأثير على القدرة البشرية على التفكير النقدي والإبداع. ولكن التطورات الأخيرة أثارت مخاوف أعمق بكثير، حيث تُسلط الأضواء على احتمالية ظهور اضطرابات نفسية حادة لدى فئة من المستخدمين، وهي مشكلة تتجاوز مجرد الاعتماد أو الارتباط العاطفي.
تطورات مقلقة: أعراض نفسية حادة وتأثيرات غير متوقعة
تشير التحليلات المتداولة والتقارير البحثية الأولية - والتي لا تعتمد بالضرورة على إعلانات رسمية من مطوري الذكاء الاصطناعي - إلى أن بعض المستخدمين، خاصة أولئك الذين يقضون ساعات طويلة في التفاعل مع تشات جي بي تي، قد يبدأون في إظهار أنماط سلوكية أو فكرية غير معتادة. من بين هذه الأعراض التي يتم الإبلاغ عنها أو مناقشتها في الأوساط العلمية والإعلامية، تبرز إشارات مقلقة مثل:
- الهوس: قد يطور بعض المستخدمين هوسًا بالتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، مما يؤثر على حياتهم اليومية وعلاقاتهم الاجتماعية.
- الذهان الخفيف أو التفكير الوهمي: في حالات نادرة، قد يختبر الأفراد تشويشًا بين الواقع والخيال، أو ينسبون للذكاء الاصطناعي قدرات أو مشاعر بشرية تتجاوز طبيعته الخوارزمية، ما قد يؤدي إلى أفكار وهمية.
- العزلة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كرفيق أو مصدر أساسي للتفاعل إلى تراجع التفاعل البشري الحقيقي، مما يفاقم الشعور بالوحدة والعزلة.
- تغيرات في المزاج والسلوك: بعض المستخدمين قد يلاحظون تقلبات مزاجية أو تغييرات في أنماط النوم والتفكير، والتي قد تكون مرتبطة بالإفراط في استخدام التقنية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأعراض لا تُشاهد لدى غالبية المستخدمين، ولكن حتى نسبة صغيرة منها ضمن قاعدة مستخدمين تتجاوز مئات الملايين يمكن أن تشكل أعدادًا هائلة تستدعي اهتماماً جدياً. البحث في هذا المجال لا يزال في مراحله الأولى، ولكن الإشارات المتوفرة تستدعي الحذر.
لماذا تثير هذه الأخبار قلقًا؟
إن مسألة التأثيرات النفسية للذكاء الاصطناعي تحمل أهمية قصوى لعدة أسباب:
- الصحة العامة: تمثل الصحة العقلية للمستخدمين أولوية قصوى. أي تقنية تؤثر سلبًا على جزء كبير من السكان تستدعي مراجعة شاملة.
- الأخلاقيات ومسؤولية المطورين: تضع هذه المخاوف الشركات المطورة للذكاء الاصطناعي، مثل OpenAI، أمام مسؤولية أخلاقية كبيرة في تصميم أدواتها بطرق تحمي المستخدمين ولا تعرضهم للخطر.
- التنظيم والسياسات: قد تدفع هذه التطورات الحكومات والمنظمات الدولية إلى التفكير في وضع لوائح تنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التي تمس الصحة النفسية.
- فهم التفاعل البشري-الآلي: تفتح هذه الظواهر الباب أمام فهم أعمق لكيفية تفاعل البشر مع الكيانات غير البشرية، وكيف يمكن أن تشكل هذه التفاعلات واقعهم النفسي والاجتماعي.
تداعيات محتملة والخطوات المستقبلية
إذا ثبتت صحة هذه المخاوف على نطاق واسع، فإن التداعيات ستكون عميقة. قد يُطلب من مطوري الذكاء الاصطناعي تضمين آليات حماية أفضل، وتقديم تحذيرات واضحة للمستخدمين حول الاستخدام المسؤول، وربما تطوير ميزات تهدف إلى تعزيز الرفاهية الرقمية بدلاً من مجرد تعظيم التفاعل. من جانب المستخدمين، يزداد التأكيد على أهمية الوعي الرقمي، والاعتدال في الاستخدام، والبحث عن مصادر دعم نفسي عند الشعور بأي أعراض مقلقة.
المجتمع العلمي والباحثون في مجالات علم النفس وعلوم الحاسوب مدعوون لتكثيف جهودهم لإجراء دراسات طويلة الأمد وموثوقة لتقييم التأثيرات الحقيقية للذكاء الاصطناعي على الدماغ البشري والسلوك. فالهدف الأسمى يجب أن يكون دمج الذكاء الاصطناعي في حياتنا بطريقة تعزز قدراتنا ولا تعرض صحتنا العقلية للخطر. هذا التحدي يتطلب تعاوناً دولياً وجهوداً متعددة التخصصات لضمان مستقبل رقمي آمن ومسؤول.
تاريخ النشر: 14 مايو 2024.




