أوكرانيا تسعى إلى تنفيذ مبادرات مشتركة في مجال تكنولوجيا المعلومات مع الإمارات
تتجه أوكرانيا نحو تعزيز روابطها الدولية سعيًا لتطوير قطاعاتها الحيوية، وفي هذا السياق، برز اهتمام متزايد بتعزيز التعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تكنولوجيا المعلومات. تهدف هذه الجهود إلى استغلال القدرات التكنولوجية المتطورة لدى البلدين، وفتح آفاق جديدة للابتكار والنمو الاقتصادي المشترك. تمثل هذه المبادرات خطوة استراتيجية لأوكرانيا، التي تسعى لإعادة بناء اقتصادها وتعزيز مكانتها كمركز للابتكار التكنولوجي، بينما تهدف الإمارات إلى ترسيخ موقعها كوجهة عالمية رائدة للتحول الرقمي والابتكار.

الخلفية والدافع
لطالما اشتهرت أوكرانيا بقطاع تكنولوجيا معلومات مزدهر، مدفوعًا بوجود قاعدة كبيرة من المهندسين والمبرمجين ذوي الكفاءة العالية. قبل اندلاع الصراع الأخير، كانت أوكرانيا تُصنف ضمن أبرز الدول المصدرة لخدمات تكنولوجيا المعلومات في أوروبا الشرقية، وكانت شركاتها تخدم عملاء عالميين كبار. إلا أن التحديات الراهنة دفعت البلاد إلى البحث عن شركاء استراتيجيين للمساعدة في الحفاظ على هذا القطاع وتطويره، لا سيما في سياق جهود إعادة الإعمار والتحديث الشامل للبنية التحتية الرقمية. هذا التوجه يتماشى مع رؤية أوكرانيا لبناء اقتصاد مرن ومبتكر يعتمد على التكنولوجيا كمحرك أساسي للنمو.
في المقابل، تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة رؤية طموحة لتحويل اقتصادها إلى نموذج قائم على المعرفة والابتكار، مع التركيز بشكل كبير على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي. استثمرت الإمارات بكثافة في البنية التحتية الرقمية المتطورة، وشجعت على إنشاء بيئة جاذبة للشركات التكنولوجية الناشئة والمواهب العالمية. يندرج هذا التعاون مع أوكرانيا ضمن استراتيجية الإمارات لتنويع شراكاتها التكنولوجية وتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة مع الدول الرائدة في هذا المجال، بهدف تسريع وتيرة التحول الرقمي وتحقيق أهدافها الطموحة في أن تصبح مركزًا عالميًا للابتكار والتقنيات المستقبلية.
تطورات التعاون الأخيرة
شهدت العلاقات الثنائية بين أوكرانيا والإمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات زخمًا متزايدًا في الأشهر الأخيرة. ففي أوائل نوفمبر، على سبيل المثال، استضافت سفارة أوكرانيا لدى الإمارات اجتماعًا محوريًا جمع دبلوماسيين وممثلين عن القطاع الخاص في البلدين. حضر هذا اللقاء إيغور أرخيبينكو، المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإشراف على مجموعة كييف لتكنولوجيا المعلومات والمؤسس المشارك لشركة "توب نيتكس" لريادة الأعمال، الذي قدم رؤى حول القدرات الأوكرانية والفرص المتاحة للتعاون. تمحورت المناقشات حول سبل تنفيذ مبادرات مشتركة تهدف إلى تعزيز الشراكة التكنولوجية، وشملت استكشاف مجالات مثل التحول الرقمي، الأمن السيبراني، تطوير الذكاء الاصطناعي، ودعم الشركات الناشئة.
لم يقتصر الأمر على هذا الاجتماع، بل شملت التطورات كذلك تبادلات على مستويات متعددة بين الجهات الحكومية والخاصة. أفادت تقارير بأن وفودًا تقنية من أوكرانيا زارت الإمارات لاستعراض خبراتها في تطوير حلول رقمية مبتكرة، بينما أبدت شركات إماراتية اهتمامًا بالاستثمار في شركات التكنولوجيا الأوكرانية والاستفادة من المواهب المتوفرة هناك. تركز هذه المبادرات على بناء جسور تكنولوجية مستدامة، وتبادل أفضل الممارسات في تصميم وتطوير الأنظمة الرقمية الحكومية، بالإضافة إلى تعزيز بيئة حاضنة للابتكار المشترك.
الأهداف المشتركة والمنافع المتبادلة
يسعى كلا البلدين إلى تحقيق مكاسب استراتيجية من هذا التعاون. فبالنسبة لأوكرانيا، يمثل الدخول في شراكات مع الإمارات فرصة حيوية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاع التكنولوجيا لديها، وهو أمر بالغ الأهمية لدعم جهود التعافي الاقتصادي. كما يمكن لهذا التعاون أن يفتح أسواقًا جديدة للشركات التكنولوجية الأوكرانية، مما يتيح لها الوصول إلى شبكة واسعة من العملاء والشركاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز قدرتها التنافسية عالميًا. ومن خلال تبادل المعرفة والخبرات، يمكن لأوكرانيا الاستفادة من التطورات السريعة في البنية التحتية الرقمية والابتكارات التكنولوجية التي حققتها الإمارات.
أما بالنسبة لدولة الإمارات، فإن التعاون مع أوكرانيا يمثل فرصة للحصول على وصول مباشر إلى pool واسع من المواهب التكنولوجية الماهرة، خاصة في مجالات البرمجيات، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، التي تعد محاور أساسية لرؤية الإمارات المستقبلية. كما يعزز هذا التعاون مكانة الإمارات كمركز عالمي للابتكار، ويضيف قيمة إلى منظومتها التكنولوجية من خلال الشراكات التي يمكن أن تسرع من تطوير حلول مبتكرة في قطاعات حيوية مثل الخدمات الحكومية الذكية، المدن المستقبلية، والطاقة المتجددة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. إنه استثمار في رأس المال البشري والفكري الذي يمكن أن يدفع عجلة الابتكار قدمًا في كلا البلدين.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من الآفاق الواعدة للتعاون، لا تخلو هذه المبادرات من التحديات. تمثل حالة عدم اليقين المرتبطة بالوضع الجيوسياسي في أوكرانيا أحد أبرز هذه التحديات، حيث يمكن أن تؤثر على جاذبية الاستثمار طويل الأجل. كما تتطلب جهود التنسيق بين المنظومتين القانونيتين والتنظيميتين في البلدين وقتًا وجهدًا لضمان سلاسة تنفيذ المشاريع المشتركة. ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية القوية من الجانبين والاهتمام المشترك بتحقيق المنفعة المتبادلة يشكلان أساسًا متينًا لتجاوز هذه العقبات.
تتجه الأنظار نحو مستقبل يحمل في طياته إمكانيات غير محدودة لهذا التعاون. يُتوقع أن تتسع هذه الشراكة لتشمل مجالات أوسع من تكنولوجيا المعلومات، مثل أبحاث الفضاء، والتكنولوجيا النظيفة، والتقنيات المالية (FinTech). من المرجح أن نشهد توقيع المزيد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز التبادل الأكاديمي والمهني، وإطلاق برامج تدريب مشتركة، وتأسيس مراكز للابتكار المشترك. هذا التعاون لا يمثل مجرد شراكة اقتصادية، بل هو جسر ثقافي ومعرفي يسهم في بناء مستقبل رقمي أكثر ترابطًا وازدهارًا للبلدين.





