المفوضية الأوروبية توصي ببدء مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي
في خطوة وصفت بالتاريخية، أوصت المفوضية الأوروبية بشكل رسمي بفتح مفاوضات الانضمام الرسمية مع أوكرانيا ومولدوفا، معتبرة أن كييف استوفت أكثر من 90% من الشروط المطلوبة لبدء هذه المرحلة الحاسمة. ويمثل هذا الإعلان، الذي جاء ضمن حزمة التوسع السنوية للاتحاد، دفعة سياسية ومعنوية هائلة لأوكرانيا التي تخوض حرباً للدفاع عن سيادتها وتتطلع إلى تأمين مستقبلها ضمن الأسرة الأوروبية.

خلفية المسار الأوروبي لأوكرانيا
تسارعت وتيرة طموحات أوكرانيا الأوروبية بشكل كبير في أعقاب الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. وبعد أيام قليلة من بدء الحرب، قدمت كييف طلبها الرسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي يونيو 2022، اتخذ قادة الاتحاد قراراً تاريخياً بمنح أوكرانيا ومولدوفا صفة الدولة المرشحة للعضوية. ومع ذلك، لم يكن هذا القرار مطلقاً، حيث ربطته بروكسل بضرورة تنفيذ سبعة إصلاحات رئيسية كشرط مسبق لبدء مفاوضات الانضمام الفعلية. تركزت هذه الإصلاحات على مجالات حيوية مثل سيادة القانون، ومكافحة الفساد، وإصلاح القضاء، وحماية حقوق الأقليات.
تفاصيل تقرير المفوضية والإصلاحات المنجزة
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن أوكرانيا حققت تقدماً لافتاً على الرغم من ظروف الحرب القاسية. وأوضح التقرير الصادر أن كييف نجحت في إنجاز غالبية المهام المطلوبة، حيث شمل التقدم المحرز مجالات عدة، من أبرزها:
- إصلاح القضاء: تم إحراز تقدم كبير في إصلاح المحكمة الدستورية وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، بما يضمن استقلالية ونزاهة أكبر للسلطة القضائية.
- مكافحة الفساد: عززت أوكرانيا من قدرات مؤسساتها المعنية بمكافحة الفساد، مثل مكتب مكافحة الفساد الوطني (NABU) ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد (SAPO)، وأظهرت سجلاً من التحقيقات في قضايا الفساد على مستوى عالٍ.
- قانون الإعلام: قامت كييف بمواءمة تشريعاتها الإعلامية مع معايير الاتحاد الأوروبي لتعزيز حرية الإعلام والتعددية.
- مكافحة غسيل الأموال: تم اتخاذ خطوات مهمة لتتماشى مع توصيات مجموعة العمل المالي (فاتف).
على الرغم من هذا التقييم الإيجابي، أشار التقرير إلى وجود بعض القضايا التي لا تزال تتطلب المزيد من العمل، وتحديداً في مجال تعزيز مكافحة نفوذ الأوليغارشية (كبار رجال الأعمال) واستكمال الإصلاحات المتعلقة بحماية حقوق الأقليات القومية، وهي نقطة حساسة تثير اهتمام دول مثل المجر.
الخطوات التالية وردود الفعل
توصية المفوضية ليست الكلمة النهائية في هذا المسار، بل هي الخطوة الأولى في عملية صنع القرار. ويتعين الآن على قادة الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي المصادقة على هذه التوصية بالإجماع. من المتوقع أن يتم اتخاذ القرار الحاسم خلال قمة المجلس الأوروبي المقرر عقدها في ديسمبر المقبل. وقد أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالقرار، معتبراً إياه "الخطوة الصحيحة للتاريخ" التي تعكس صمود الشعب الأوكراني والتزامه بالقيم الأوروبية. وفي المقابل، لا تزال هناك تحديات سياسية قائمة، حيث تلوح بعض الدول، وعلى رأسها المجر، بإمكانية عرقلة القرار إذا لم تتم معالجة مخاوفها بالكامل.
الأهمية والسياق الأوسع
تحمل هذه التوصية أهمية رمزية واستراتيجية بالغة. فهي تبعث برسالة دعم قوية من بروكسل إلى كييف، مؤكدة أن مستقبل أوكرانيا يقع في قلب أوروبا. كما أنها توفر إطاراً واضحاً لعملية إعادة الإعمار والتحديث المؤسسي في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمثل توسيع حدوده شرقاً استجابة جيوسياسية مباشرة للعدوان الروسي، ويهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن في القارة. ورغم أن الطريق نحو العضوية الكاملة لا يزال طويلاً ومعقداً وقد يستغرق سنوات، فإن فتح باب المفاوضات يعد إنجازاً محورياً يثبّت أوكرانيا على مسار التكامل الأوروبي بشكل لا رجعة فيه.





