بروكسل تدعو كييف لتكثيف الإصلاحات بهدف الانضمام للتكتل قبل 2029
وجه الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة إلى أوكرانيا تؤكد على ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات الداخلية كشرط أساسي لتحقيق هدفها بالانضمام إلى التكتل. ويأتي هذا في سياق تقارير حديثة صادرة عن المفوضية الأوروبية تقيّم التقدم الذي أحرزته كييف في مسارها نحو العضوية، مشددة على أن الجدول الزمني الطموح الذي تطرحه أوكرانيا، والذي يستهدف عام 2028، يعتمد بشكل كامل على مدى التزامها بتنفيذ التغييرات الجوهرية المطلوبة.
خلفية المسار الأوروبي لأوكرانيا
اكتسب ملف انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي زخماً غير مسبوق في أعقاب الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. ففي خطوة تاريخية وجيوسياسية، منح قادة الاتحاد أوكرانيا صفة دولة مرشحة في يونيو من العام نفسه، إشارةً إلى الدعم السياسي القوي لسيادة كييف وتوجهها الغربي. ومع ذلك، فإن الحصول على صفة المرشح لا يعني الانضمام التلقائي، بل يمثل بداية عملية طويلة ومعقدة تتطلب من الدولة المرشحة التوافق التام مع المعايير والقوانين الأوروبية، المعروفة باسم "معايير كوبنهاغن".
تغطي هذه المعايير ثلاثة جوانب رئيسية: الاستقرار المؤسسي الذي يضمن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، ووجود اقتصاد سوق فعال قادر على المنافسة داخل الاتحاد، والقدرة على تبني كافة تشريعات الاتحاد الأوروبي وتنفيذها بفعالية.
أبرز مجالات الإصلاح المطلوبة
حدد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الأولويات التي يجب على أوكرانيا معالجتها بشكل حاسم للمضي قدماً في محادثات الانضمام. وتتركز هذه الأولويات في مجالات لطالما شكلت تحدياً للدولة الأوكرانية، وتعتبر أساسية لبناء دولة حديثة وشفافة. وتشمل هذه المجالات:
- مكافحة الفساد: يُعد هذا الملف على رأس الأولويات. يطالب الاتحاد بتعزيز استقلالية وكفاءة المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد، مثل مكتب مكافحة الفساد الوطني (NABU) والمدعي العام المتخصص في قضايا الفساد (SAPO)، وضمان وجود سجل حافل بالإدانات في قضايا الفساد الكبرى.
- الإصلاح القضائي: يتضمن ذلك استكمال إصلاح المحكمة الدستورية وإعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى لضمان نزاهة القضاة واستقلال السلطة القضائية عن أي تأثير سياسي أو اقتصادي.
- الحد من نفوذ الأوليغارشية: يدعو الاتحاد إلى تطبيق فعال لقانون "مكافحة الأوليغارشية" الذي يهدف إلى تقليص التأثير المفرط لرجال الأعمال الأثرياء على الحياة السياسية والإعلامية والاقتصادية في البلاد.
- حقوق الأقليات القومية: شددت بروكسل على ضرورة مواءمة التشريعات الأوكرانية المتعلقة بالأقليات، خاصة في مجالي اللغة والتعليم، مع توصيات لجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا، لمعالجة مخاوف بعض الدول المجاورة.
تقييم التقدم والتحديات الراهنة
أقرت التقارير الأوروبية الأخيرة بأن أوكرانيا قد خطت خطوات إيجابية في العديد من المجالات على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها بسبب الحرب. فقد تم إحراز تقدم في بعض جوانب الإصلاح القضائي وتعيين رؤساء جدد لهيئات مكافحة الفساد. إلا أن التقارير تشير إلى أن الوتيرة لا تزال بحاجة إلى تسريع كبير للمواءمة مع تطلعات الانضمام السريع.
ويمثل استمرار الصراع تحدياً هائلاً، حيث يستنزف موارد الدولة ويحول تركيزها نحو الدفاع العسكري. ومع ذلك، يصر المسؤولون الأوروبيون على أن عملية الانضمام قائمة على الجدارة، وأن الحرب لا يمكن أن تكون مبرراً لتجاوز المتطلبات الأساسية، إذ أن تطبيق هذه الإصلاحات لا يخدم فقط هدف الانضمام، بل يساهم أيضاً في بناء دولة أقوى وأكثر مرونة وقدرة على الصمود.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تعتبر دعوة الاتحاد الأوروبي لتسريع الإصلاحات بمثابة تذكير حاسم بأن الدعم السياسي لأوكرانيا لا يلغي الحاجة إلى عمل داخلي جاد. إن تحقيق تقدم ملموس في المجالات المذكورة سيحدد ما إذا كان بإمكان قادة الاتحاد إعطاء الضوء الأخضر لبدء مفاوضات الانضمام الرسمية، وهي الخطوة الكبرى التالية في العملية.
على المدى الطويل، يرتبط نجاح أوكرانيا في تنفيذ هذه الأجندة الإصلاحية ارتباطاً وثيقاً بمستقبلها كدولة ديمقراطية ومستقلة ومزدهرة. فعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي ليست مجرد هدف سياسي، بل هي خارطة طريق لتحديث الدولة ومؤسساتها، وتعزيز سيادة القانون، وجذب الاستثمارات اللازمة لإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، وترسيخ مكانة أوكرانيا بشكل نهائي ضمن الأسرة الأوروبية.





