أوكرانيا: ضربات روسية أوكرانية متبادلة مكثفة لتعزيز المواقف في المفاوضات
شهدت الأسابيع الأخيرة، وتحديداً في أوائل فبراير 2024، تصعيداً ملحوظاً في وتيرة الضربات العسكرية المتبادلة بين القوات الروسية والأوكرانية. هذه الهجمات، التي تتراوح بين استخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، يُنظر إليها على نطاق واسع كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز المواقع العسكرية والدبلوماسية لكل طرف في ظل غياب أي اختراق وشيك في مسار المفاوضات المتوقفة. تعكس هذه الضربات إصرار كل من كييف وموسكو على إضعاف قدرات الطرف الآخر والضغط عليه، حتى في غياب حراك كبير على خطوط التماس الأمامية.

الخلفية وتطورات الصراع
اندلعت الحرب الشاملة في أوكرانيا في فبراير 2022، وسرعان ما تحولت من هجوم روسي واسع النطاق إلى صراع طويل الأمد يتضمن حرب استنزاف على الجبهات البرية، بالإضافة إلى حملات قصف جوي مكثفة تستهدف البنية التحتية العسكرية والمدنية. المحاولات الأولية للتفاوض في الأشهر الأولى من الصراع باءت بالفشل، حيث تمسك كل طرف بشروطه، مما أدى إلى جمود دبلوماسي دام لأكثر من عام ونصف. منذ ذلك الحين، اعتمد الطرفان على القوة العسكرية لتحسين مواقفهما الميدانية والدبلوماسية، مع التركيز على تدمير الإمكانيات اللوجستية والعسكرية للخصم.
تصاعد الضربات الأخيرة
في سياق التصعيد الأخير، استهدفت القوات الروسية مدناً أوكرانية رئيسية ومواقع بنية تحتية حيوية، بما في ذلك منشآت الطاقة والمخازن العسكرية. ففي ضربات روسية وقعت مؤخراً، أعلنت السلطات الأوكرانية مقتل ستة أشخاص على الأقل في مناطق مثل دنيبروبيتروفسك وأوديسا، بالإضافة إلى أضرار واسعة النطاق في المناطق السكنية ومرافق الطاقة الحيوية. تهدف هذه الضربات الروسية إلى تقليص قدرة أوكرانيا على الصمود وتدمير ما تبقى من بنيتها التحتية الحيوية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. تركزت الضربات الروسية أيضاً على منشآت عسكرية ومخازن أسلحة أوكرانية، بهدف إعاقة القدرات الدفاعية واللوجستية لكييف، وإرهاق أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية.
في المقابل، كثفت القوات الأوكرانية من هجماتها الانتقامية، مستخدمة الطائرات المسيرة بشكل رئيسي لاستهداف أهداف عسكرية روسية داخل الأراضي الروسية وفي المناطق التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا. شملت هذه الأهداف مستودعات وقود، وقواعد جوية، ومرافق صناعية وعسكرية، وذلك بهدف الضغط على روسيا وتقليص قدراتها الهجومية. تسعى أوكرانيا من خلال هذه الضربات إلى إظهار قدرتها على الرد وتكبيد روسيا خسائر اقتصادية وعسكرية، مع الحفاظ على الدعم الدولي الحيوي لقضيتها.
الأهداف والتداعيات
تُعد هذه الضربات المتبادلة بمثابة رسائل عسكرية وسياسية واضحة في ظل غياب أي قنوات دبلوماسية فعالة. من جانب كييف، تهدف الهجمات إلى إظهار القدرة على الردع وتكبيد روسيا خسائر، بالإضافة إلى الحفاظ على الدعم الدولي الحيوي من خلال إثبات أن أوكرانيا لا تزال قادرة على الدفاع عن نفسها وشن هجمات مضادة. أما من جانب موسكو، فإن الضربات تهدف إلى إضعاف العزيمة الأوكرانية، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتوجيه ضربات قاصمة للجهود العسكرية الأوكرانية، فضلاً عن تحسين موقفها التفاوضي المحتمل في أي محادثات مستقبلية قد تنشأ. الهدف هو إملاء الشروط من موقع قوة، سواء على طاولة المفاوضات أو على أرض المعركة.
تؤدي هذه الهجمات إلى عواقب إنسانية وخيمة، حيث يزداد عدد الضحايا المدنيين وتتضرر البنية التحتية المدنية بشكل كبير، مما يؤثر على حياة الملايين ويزيد من تحديات إعادة الإعمار المستقبلية. كما أنها تؤكد على استمرار طبيعة الحرب الشرسة على الرغم من الحديث عن جمود في الخطوط الأمامية، وتبرز الدور المتزايد للضربات بعيدة المدى في تشكيل مسار الصراع.
النظرة المستقبلية
مع استمرار الجمود في جبهات القتال وغياب أي مؤشرات على استئناف قريب للمفاوضات ذات المغزى، يُتوقع أن تستمر استراتيجية الضربات الجوية المتبادلة كوسيلة لكل طرف لفرض إرادته العسكرية وتعزيز نفوذه. يبقى المسار المستقبلي للصراع معقداً، ويعتمد بشكل كبير على قدرة كل طرف على الحفاظ على الزخم العسكري والدعم الدولي. لا توجد مؤشرات حالية على حل دبلوماسي وشيك، مما يعني أن استمرار التصعيد العسكري يظل السيناريو الأكثر ترجيحاً في الأمد القريب، مع محاولة كل جانب إضعاف قدرة الطرف الآخر على المواصلة.




