إتش بي: خطة إعادة هيكلة تدفع الأرباح وتخفض الوظائف
تنفذ شركة إتش بي إنك، عملاق صناعة التكنولوجيا، استراتيجية إعادة هيكلة شاملة تهدف إلى تعزيز الربحية وتبسيط عملياتها التشغيلية. تندرج هذه المبادرة، المعروفة باسم «خطة المستقبل الجاهز»، ضمن مساعي الشركة لزيادة كفاءتها المالية عبر خفض كبير في القوى العاملة، بالتزامن مع توجيه الاستثمارات نحو مجالات النمو الواعدة. تعكس هذه الخطوات توجهاً سائداً في قطاع التكنولوجيا، حيث تسعى الشركات الكبرى لتحقيق أداء مالي أفضل من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية.

الخلفية والتحديات السوقية
شهد قطاع التكنولوجيا العالمي، ولا سيما سوق الحواسيب الشخصية والطابعات، تحولات جذرية خلال السنوات الأخيرة. فبعد فترة من الازدهار غير المسبوق خلال جائحة كوفيد-19، بدأت وتيرة الطلب على أجهزة الكمبيوتر في التباطؤ بشكل ملحوظ. وقد تفاقمت هذه التحديات بفعل عوامل اقتصادية عالمية مثل التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الفائدة، والشكوك الاقتصادية، بالإضافة إلى الاضطرابات المستمرة في سلاسل التوريد. هذه الظروف أثرت بشكل مباشر على هوامش ربح الشركات ودفعتها لإعادة تقييم نماذج أعمالها.
لطالما تميزت شركة إتش بي، بتاريخها العريق كلاعب رئيسي في أسواق الحواسيب الشخصية والطابعات، بقدرتها على التكيف مع المتغيرات السوقية. وتاريخياً، نفذت الشركة العديد من خطط إعادة الهيكلة والتعديلات الاستراتيجية لضمان بقائها في صدارة المنافسة وتقديم قيمة مستدامة للمساهمين. ومع ذلك، فإن التحديات الحالية تتطلب نهجاً أكثر جرأة وشمولية لإعادة تشكيل هيكل التكلفة والتركيز على الابتكار في المجالات التي تحمل إمكانيات نمو أعلى.
تفاصيل خطة «المستقبل الجاهز» والتطورات الأخيرة
في أواخر عام 2022، كشفت شركة إتش بي عن خطتها الطموحة «المستقبل الجاهز» (Future Ready Plan)، والتي تمتد لعدة سنوات بهدف تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف وتعزيز الكفاءة التشغيلية. تتمحور الخطة حول إعادة هيكلة شاملة للشركة، تشمل مختلف الأقسام والوظائف. أحد أبرز الأبعاد لهذه الخطة كان الإعلان عن تقليص القوى العاملة عالمياً بما يتراوح بين 4,000 و6,000 وظيفة بحلول نهاية العام المالي 2025. وتعد هذه التخفيضات خطوة محورية لتبسيط العمليات وتقليل النفقات العامة.
تتوقع الشركة أن تسفر هذه الإجراءات عن تحقيق وفورات سنوية إجمالية تتراوح بين 1.4 مليار دولار و1.6 مليار دولار بحلول نهاية العام المالي 2025. وتأتي هذه الوفورات على الرغم من تكبد الشركة تكاليف إعادة هيكلة أولية تُقدر بنحو مليار دولار، والتي تشمل تكاليف إنهاء الخدمة للموظفين المتأثرين وإعادة تنظيم الأصول. وقد أكدت إتش بي في تقارير أرباحها الفصلية اللاحقة أن تنفيذ الخطة يسير وفقاً للجدول الزمني المحدد، وأنها بدأت بالفعل في جني ثمار الكفاءة المتحققة، مما ساعد على تعزيز هوامش الربح التشغيلي في ظل بيئة سوقية متقلبة تتسم بالضغط على حجم المبيعات.
شملت التخفيضات في الوظائف مختلف مستويات الشركة، مع تركيز على الأدوار الإدارية والوظائف التي قد لا تكون أساسية للتوجهات الاستراتيجية المستقبلية للشركة. هذه الخطوات تعكس التزام إتش بي الثابت بتبسيط هيكلها التنظيمي، وتسريع عملية صنع القرار، وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية لدعم أولويات النمو الأساسية.
الأهداف الاستراتيجية والتداعيات
تتمحور الأهداف الاستراتيجية لـ إتش بي من خلال خطة «المستقبل الجاهز» حول بناء شركة أكثر مرونة وكفاءة، قادرة على الاستجابة بفعالية لمتطلبات السوق المتغيرة. تسعى الشركة إلى «تحضير نفسها للمستقبل» من خلال تبسيط محفظة منتجاتها وخدماتها، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد، وتحويل التركيز إلى الاستثمار في قطاعات النمو الرئيسية ذات الهوامش الربحية الأعلى. تشمل هذه القطاعات حلول العمل الهجين (hybrid work solutions)، التي تتضمن أجهزة الكمبيوتر المحمولة والشاشات والملحقات والخدمات التي تدعم بيئات العمل المرنة؛ وقطاع الألعاب (gaming) المتنامي، حيث تمتلك الشركة علامة «أومن» (Omen) التجارية؛ بالإضافة إلى توسيع نموذج الخدمات القائمة على الاشتراك، مثل خدمة «إنستانت إنك» (Instant Ink) للطابعات وخدمة «الجهاز كخدمة» (Device as a Service) للحواسيب الشخصية.
تهدف هذه الاستثمارات إلى تحويل إتش بي من مجرد بائع للأجهزة إلى شريك استراتيجي في التحول الرقمي لعملائها، مع التركيز على تقديم حلول متكاملة بدلاً من مجرد منتجات فردية. وفي حين تعزز هذه الاستراتيجية الأداء المالي للشركة وتجذب المستثمرين من خلال تحسين الربحية والعائد على الاستثمار، فإنها تحمل في طياتها تداعيات اجتماعية واقتصادية مهمة. يواجه الآلاف من الموظفين المتأثرين بخطط التسريح تحديات كبيرة. وقد أكدت إتش بي التزامها بتقديم الدعم اللازم للموظفين الذين فقدوا وظائفهم، من خلال حزم التعويضات وبرامج المساعدة في البحث عن وظائف جديدة، وذلك للتخفيف من حدة تأثير هذه التغييرات.
تعكس هذه الظاهرة اتجاهاً أوسع في صناعة التكنولوجيا، حيث تسعى العديد من الشركات الكبرى لإعادة تعريف أولوياتها الاستراتيجية وتحسين كفاءتها التشغيلية لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي، وضغوط المنافسة، والحاجة المستمرة للابتكار. يُعد هذا التحول جزءاً أساسياً من استراتيجية إتش بي لضمان استدامة الأعمال على المدى الطويل، والانتقال نحو نموذج أعمال أكثر تكاملاً يركز على الخدمات والحلول ذات القيمة المضافة العالية، مما يضمن مرونة الشركة وقدرتها على تحقيق أرباح مستدامة في المشهد التكنولوجي المتغير باستمرار.





