إثيوبيا تبني سدًا جديدًا بعد النهضة.. وخبير يكشف تأثيره على مصر
أثارت التقارير الأخيرة حول تقدم إثيوبيا في بناء سد جديد، وهو سد كويشا على نهر أومو، مخاوف متجددة في مصر بشأن أمنها المائي، خاصة في ظل التوترات المستمرة المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD). وقد كشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عن تفاصيل تتعلق بحجم هذا السد الجديد وتأثيراته المحتملة، مشيرًا إلى أن إثيوبيا تسعى لتعزيز قدراتها في توليد الطاقة الكهرومائية كجزء من استراتيجيتها التنموية.

الخلفية وسياق بناء السدود الإثيوبية
تتبنى إثيوبيا رؤية طموحة للتنمية الاقتصادية تتمحور بشكل كبير حول استغلال مواردها المائية لتوليد الطاقة الكهربائية. هذه الرؤية تجسدت بشكل واضح في مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي أصبح نقطة محورية في العلاقات بين دول حوض النيل الشرقي (إثيوبيا ومصر والسودان). يهدف سد النهضة على النيل الأزرق إلى توليد كميات هائلة من الكهرباء لدعم النمو الصناعي وتصدير الفائض، ولكن عملية ملئه وتشغيله أثارت قلقًا عميقًا في مصر والسودان بشأن حصصهما التاريخية من مياه النيل.
يأتي سد كويشا في سياق هذه الاستراتيجية التنموية، وإن كان على نهر مختلف. يقع سد كويشا على نهر أومو في جنوب إثيوبيا، وهو نهر لا يصب مباشرة في حوض النيل، بل يتجه جنوبًا ليصب في بحيرة توركانا على الحدود مع كينيا. ورغم اختلاف موقعه الجغرافي عن النيل الأزرق، فإن الإعلان عن تقدم العمل في هذا السد يعكس تصميم إثيوبيا على استغلال مواردها المائية بشكل مكثف لتعزيز قدراتها في توليد الطاقة الكهرومائية.
آخر المستجدات حول سد كويشا
وفقًا لتقارير حديثة، أعلنت الحكومة الإثيوبية عن تقدم كبير في بناء سد كويشا، حيث وصلت نسبة الإنجاز إلى حوالي 70%. يبلغ ارتفاع السد نحو 175 مترًا، وتبلغ سعته التخزينية حوالي 6 مليارات متر مكعب من المياه. ويهدف هذا السد، الذي يعد جزءًا من مشروع سد جيب الثالث (Gibe III) الأكبر، إلى توليد حوالي 2200 ميجاوات من الكهرباء، مما يجعله أحد أكبر مشاريع الطاقة الكهرومائية في البلاد.
يُعد هذا الإنجاز مؤشرًا على استمرار إثيوبيا في تنفيذ مشاريعها المائية الضخمة بوتيرة سريعة، مما يسلط الضوء على أولوياتها التنموية المتمثلة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتصديرها لدعم الاقتصاد الوطني. وقد جاء الكشف عن هذه التطورات على لسان خبراء مصريين يتابعون عن كثب المشروعات الإثيوبية.
تحليلات الخبراء والتأثيرات المحتملة على مصر
على الرغم من أن نهر أومو لا يشكل جزءًا مباشرًا من حوض النيل، فقد أعرب الدكتور عباس شراقي وغيره من الخبراء المصريين عن قلقهم من التداعيات الأوسع لمثل هذه المشاريع. يشير الخبراء إلى أن بناء السدود الإثيوبية على نطاق واسع يعكس توجهًا عامًا في إثيوبيا لاستغلال كافة مواردها المائية دون تنسيق كافٍ مع دول المصب، مما يثير مخاوف بشأن المستقبل المائي للمنطقة ككل.
تتمثل المخاوف الرئيسية في النقاط التالية:
- الإشارة إلى استراتيجية واسعة: يعتبر سد كويشا مؤشرًا على استمرار إثيوبيا في سياستها لبناء السدود الكبيرة، مما يعزز فكرة أن سد النهضة ليس المشروع الوحيد الذي يجب أن يثير القلق، بل هو جزء من استراتيجية أوسع.
 - تأثير غير مباشر على الثقة: استمرار إثيوبيا في بناء السدود دون التوصل إلى اتفاقيات ملزمة وشفافة بشأن سد النهضة يؤثر سلبًا على مستويات الثقة بين دول الحوض، مما يجعل أي مفاوضات مستقبلية أكثر صعوبة.
 - السوابق والخطوات المستقبلية: يخشى البعض أن يفتح بناء سدود جديدة مثل كويشا الباب أمام مشاريع أخرى على روافد النيل أو أنظمة مياه إقليمية أخرى، مما قد يؤثر بشكل تراكمي على الأمن المائي لدول المصب.
 - أبعاد جيوسياسية: يُنظر إلى مشاريع الطاقة الكهرومائية الإثيوبية كأدوات لتعزيز النفوذ الإقليمي والسيادة على الموارد الطبيعية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي في منطقة حساسة بطبيعتها.
 
أكد الدكتور شراقي أن إثيوبيا تعمل على استغلال مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل عليها لبناء المزيد من السدود، مشيرًا إلى أن هذه السدود تخدم في المقام الأول توليد الكهرباء، مما يضع ضغطًا إضافيًا على مصر لمتابعة كافة المشاريع المائية الإثيوبية بشكل دقيق وتقييم تداعياتها الشاملة على الأمن المائي الإقليمي.
الآثار الإقليمية والدولية
تثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل إدارة الموارد المائية في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي. فبينما تؤكد إثيوبيا على حقها السيادي في التنمية واستغلال مواردها الطبيعية، تشدد دول المصب على مبادئ القانون الدولي التي تحكم الأنهار العابرة للحدود، والتي تدعو إلى عدم إحداث ضرر جسيم لدول أخرى وتقاسم المنافع بشكل عادل ومنصف.
يظل الحوار البناء والشفافية في تبادل المعلومات والبيانات الهيدرولوجية حجر الزاوية لأي حل مستدام يحقق التنمية للجميع ويصون الأمن المائي. وبناء السدود الجديدة في غياب إطار تعاوني شامل يزيد من التحديات القائمة ويعقد مساعي التوصل إلى تسويات مقبولة للجميع.





