خبراء آثار عرب: مصر ترسخ مكانتها كحارس للتاريخ عبر مشاريع الترميم الضخمة
أشاد عدد من خبراء الآثار والمختصين في التراث بالعالم العربي بالجهود المصرية المكثفة والمشاريع القومية الكبرى التي تم إطلاقها خلال السنوات الأخيرة بهدف ترميم وصون التراث الحضاري المصري. ويرى هؤلاء الخبراء أن هذه المبادرات لا تقتصر على كونها أعمال ترميم منفصلة، بل تشكل استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى إعادة بناء السرد التاريخي وتقديمه للعالم بصورة متجددة، مما يعزز مكانة مصر كحارس للتاريخ الإنساني ومركز ثقافي رائد في المنطقة.

الخلفية: استراتيجية وطنية لإحياء التراث
شهدت مصر في العقد الأخير تحولاً ملحوظاً في سياساتها تجاه التراث والآثار، حيث انتقلت من مجرد الحفاظ على المواقع إلى تنفيذ مشاريع تطوير شاملة. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، من بينها تعزيز الهوية الوطنية، وإنعاش قطاع السياحة الثقافية الذي يعد ركيزة أساسية للاقتصاد المصري، وتقديم التراث المصري العريق للأجيال الجديدة والزوار الأجانب باستخدام أحدث أساليب العرض والتكنولوجيا. وقد حظيت هذه المشاريع بدعم مباشر من الدولة، مما منحها زخماً وقدرة على التنفيذ على نطاق واسع وغير مسبوق.
أبرز المشاريع والتطورات الأخيرة
تنوعت المشاريع الأثرية المصرية لتشمل مختلف العصور والحضارات التي مرت على أرض مصر، من الفرعونية إلى اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية. ومن أبرز هذه المشاريع التي حظيت باهتمام عالمي:
- المتحف المصري الكبير (GEM): يُعد هذا المشروع أيقونة الجهود المصرية الحديثة، حيث من المقرر أن يصبح أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة. يقع المتحف على مقربة من أهرامات الجيزة، وسيضم المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون لأول مرة في مكان واحد، إلى جانب عشرات الآلاف من القطع الأثرية الأخرى التي تُعرض بأسلوب تفاعلي حديث.
- موكب المومياوات الملكية: في حدث تاريخي شهده العالم في أبريل 2021، تم نقل 22 مومياء لملوك وملكات مصر القديمة في موكب مهيب من المتحف المصري بالتحرير إلى مقرها الدائم الجديد في المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط. لم يكن هذا الحدث مجرد عملية نقل، بل كان احتفالية عالمية سلطت الضوء على احترام مصر لتاريخها وأسلافها.
- إعادة إحياء طريق الكباش: بعد سنوات طويلة من أعمال الترميم والتطوير، افتتحت مصر في نوفمبر 2021 طريق المواكب الكبرى المعروف بـ"طريق الكباش" في الأقصر، والذي يربط بين معبدي الكرنك والأقصر. أعاد هذا المشروع إحياء أحد أهم المسارات الاحتفالية في مصر القديمة وحوّل مدينة الأقصر إلى ما يشبه متحفاً مفتوحاً.
- تطوير القاهرة التاريخية: تشهد منطقة القاهرة التاريخية، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، عمليات ترميم واسعة النطاق تشمل المساجد الأثرية والوكالات والأسوار والمباني التاريخية. تهدف هذه الجهود إلى الحفاظ على النسيج العمراني الفريد للمدينة وإعادة رونقها كمركز للإشعاع الثقافي والحضاري.
أصداء وردود فعل الخبراء العرب
أثارت هذه المشاريع إعجاب وتقدير الأوساط الأثرية والثقافية العربية. وأشار خبراء من مختلف الدول العربية إلى أن التجربة المصرية تمثل نموذجاً يحتذى به في كيفية تعامل الدول مع تراثها الحضاري. وأكدوا أن مصر لا تقوم فقط بحماية آثارها، بل تعيد كتابة فصول من تاريخها وتقدمها برؤية عصرية تعكس عمقها الحضاري. كما لفتوا الانتباه إلى أن هذه المشاريع تساهم في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة وتقدم رواية تاريخية من منظور وطني، بعيداً عن السرديات التي صاغها المستكشفون الأوائل.
الأهمية والتأثير
تتجاوز أهمية هذه المشاريع الأثرية البعد الثقافي لتشمل أبعاداً اقتصادية وسياسية. فعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن تساهم هذه الافتتاحات والمتاحف الجديدة في تحقيق قفزة نوعية في قطاع السياحة، وجذب شريحة جديدة من السياح المهتمين بالتاريخ والثقافة. أما على الصعيد السياسي والدولي، فإن هذه الجهود تعزز من القوة الناعمة لمصر وتكرس دورها كلاعب محوري في المشهد الثقافي العالمي، وكدولة مسؤولة عن حماية جزء أصيل من التراث الإنساني المشترك.





