المتحف المصري الكبير: إنجاز أحد أعقد مشاريع ترميم الآثار في العالم
في تصريحات حديثة، سلط مسؤولو مشروع المتحف المصري الكبير الضوء على حجم الإنجاز الذي تم في مجال ترميم ونقل الآثار، واصفين إياه بأنه واحد من أصعب وأعقد مشروعات الترميم على مستوى العالم. وأكد الدكتور عيسى زيدان، المدير العام التنفيذي لترميم ونقل الآثار بالمتحف، أن الجهود التي استمرت لما يقرب من عقدين من الزمن لم تقتصر على بناء صرح معماري ضخم، بل شملت عملية علمية وفنية دقيقة للحفاظ على كنوز الحضارة المصرية وتهيئتها للعرض بأسلوب غير مسبوق.
خلفية المشروع وتأسيس مركز الترميم
بدأت رحلة المتحف المصري الكبير فعليًا قبل وضع حجر الأساس للمبنى الرئيسي، حيث كانت الخطوة الأولى هي إنشاء مركز ترميم الآثار في عام 2010. يُعد هذا المركز، الذي يمتد على مساحة شاسعة ويضم معامل متخصصة، حجر الزاوية في المشروع بأكمله. تم تجهيزه بأحدث التقنيات العالمية ليكون قادرًا على التعامل مع كافة أنواع المواد الأثرية، من الأحجار الضخمة والأخشاب والمعادن، إلى المنسوجات والبرديات والمواد العضوية شديدة الحساسية. وقد أتاح هذا الصرح العلمي للخبراء المصريين العمل على عشرات الآلاف من القطع الأثرية، وتجهيزها للعرض النهائي في قاعات المتحف.
تحديات ترميم كنوز الملك توت عنخ آمون
شكلت مجموعة الملك توت عنخ آمون، التي ستُعرض كاملة لأول مرة في التاريخ، التحدي الأكبر والأكثر تعقيدًا لفريق الترميم. تضم المجموعة أكثر من 5000 قطعة أثرية، كثير منها كان في حالة هشة تتطلب تدخلًا عاجلًا ودقيقًا. كان من أبرز هذه التحديات ترميم التابوت المذهب الخارجي للملك الشاب، والذي تم نقله من المتحف المصري بالتحرير لأول مرة منذ اكتشافه عام 1922. خضع التابوت لعمليات تعقيم وتدعيم هيكلي وتنظيف ميكانيكي وكيميائي دقيقة استمرت لعدة أشهر لضمان استقراره وحمايته من التلف. كما واجه المرممون تحديات فريدة مع القطع العضوية مثل العجلات الحربية، والأحذية الجلدية، والمنسوجات التي استلزمت ابتكار أساليب ترميم خاصة للحفاظ عليها.
نقل القطع الأثرية الضخمة: إنجازات لوجستية وهندسية
إلى جانب الترميم الدقيق، برزت عمليات نقل القطع الأثرية الضخمة كإنجازات هندسية فريدة من نوعها، حيث تطلبت تخطيطًا علميًا وهندسيًا معقدًا لضمان سلامتها. ومن أبرز هذه العمليات:
- نقل تمثال رمسيس الثاني الضخم، الذي يزن حوالي 83 طنًا، من موقعه القديم في ميدان رمسيس بالقاهرة إلى البهو العظيم للمتحف، في حدث تابعه العالم.
- نقل مركب خوفو الأول (مركب الشمس)، الذي يبلغ عمره حوالي 4600 عام، من متحفه القديم بمنطقة الأهرامات إلى مبنى خاص به في المتحف الكبير. تمت العملية باستخدام عربة ذكية ذاتية الدفع تم استيرادها خصيصًا لهذا الغرض لضمان نقل المركب كقطعة واحدة دون تفكيكه، في رحلة استغرقت ساعات طويلة وبدقة متناهية.
خبرات مصرية بمعايير عالمية
أكد المسؤولون عن المشروع أن جميع مراحل الترميم والنقل تمت بأيدٍ مصرية خالصة، حيث يضم فريق العمل نخبة من أفضل المرممين والعلماء والمهندسين في مصر. وقد ساهم هذا المشروع الضخم في بناء كوادر فنية وعلمية على أعلى مستوى، قادرة على التعامل مع أصعب مهام الحفاظ على التراث. تم استخدام أحدث ما توصل إليه العلم في مجال الترميم، بما في ذلك أجهزة الفحص بالأشعة السينية والتصوير المقطعي، وتقنيات التعقيم بالغازات الخاملة، والمواد الكيميائية المتطورة التي تضمن الحفاظ على المواد الأثرية دون المساس بأصالتها.
ومع اقتراب موعد الافتتاح الرسمي للمتحف، يمثل إنجاز هذه المرحلة المعقدة من الترميم خطوة حاسمة نحو تقديم كنوز مصر للعالم في أبهى صورها، ليس فقط كمعروضات متحفية، بل كشواهد حية على حضارة عريقة تم الحفاظ عليها بفضل جهود علمية جبارة.




