إثيوبيا تعلن عن إنجاز وشيك لثاني أكبر سدودها: هل تزداد التوترات مع مصر؟
أعلنت السلطات الإثيوبية مؤخراً عن اقتراب الانتهاء من بناء سد جديد يعد ثاني أكبر سدودها من حيث القدرة التخزينية أو توليد الطاقة، بعد سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD). يأتي هذا الإعلان في سياق جهود إثيوبيا الحثيثة لتطوير بنيتها التحتية وتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، لكنه يثير مجدداً تساؤلات حول تداعياته المحتملة على دول المصب، خاصة مصر والسودان، اللتين تعتمدان بشكل كبير على مياه النيل.

الخلفية التاريخية وأهمية النيل
يمثل نهر النيل شريان الحياة لمصر والسودان، حيث يعتمدان عليه بنسبة تزيد عن 95% لتلبية احتياجاتهما من المياه الصالحة للشرب والزراعة والصناعة. لطالما كانت إدارة موارد النيل قضية حساسة ومعقدة، تحكمها اتفاقيات تاريخية وتباين في وجهات النظر بين دول المنبع والمصب. تسعى إثيوبيا، بصفتها دولة منبع رئيسية لنهر النيل الأزرق، إلى استغلال مواردها المائية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتوليد الكهرباء لسكانها الذين يفتقر جزء كبير منهم للوصول للطاقة.
كان سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يعد أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، محوراً لخلافات حادة بين الدول الثلاث على مدى العقد الماضي، تركزت بشكل أساسي على قواعد ملء وتشغيل السد. وفي حين لا يزال ملف سد النهضة دون اتفاق شامل ونهائي يرضي جميع الأطراف، يأتي الإعلان عن سد إثيوبي كبير آخر ليضيف طبقة جديدة من التعقيد للمشهد الإقليمي.
التطورات الأخيرة والإعلان الإثيوبي
في الآونة الأخيرة، أشارت تقارير رسمية إثيوبية إلى أن أعمال البناء في السد المعني، والذي يُقدر أنه الثاني في الحجم بعد سد النهضة، قد وصلت إلى مراحلها النهائية، مع توقعات بقرب بدء تشغيله. تُصمم هذه السدود بشكل أساسي لتوليد الطاقة الكهرومائية، وهو ما تعتبره أديس أبابا حقاً سيادياً وضرورة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتصدير الفائض من الكهرباء لدول الجوار.
لم يتم الكشف عن تفاصيل دقيقة حول السعة التخزينية لهذا السد أو موقعه بالضبط في الأخبار المتاحة بشكل واسع، إلا أن مجرد الإشارة إلى حجمه الكبير يجدد المخاوف لدى دول المصب. تؤكد السلطات الإثيوبية أن جميع مشاريعها المائية تُنفذ وفقاً للمعايير الدولية، وأنها لا تهدف للإضرار بأي دولة أخرى، بل تسعى لتحقيق الاستفادة المشتركة من الموارد المائية.
الآثار المحتملة على مصر والسودان
من المرجح أن يثير هذا الإعلان قلقاً متزايداً في كل من القاهرة والخرطوم. فمصر، التي تعاني بالفعل من شح مائي، ترى في أي مشروع سد كبير جديد على النيل الأزرق تهديداً لأمنها المائي. تعتمد المخاوف المصرية على عدة نقاط رئيسية:
- تأثير تراكمي: قد يؤدي وجود سدين كبيرين يعملان بالتزامن إلى تأثير تراكمي على تدفقات المياه إلى مصر والسودان، خاصة خلال فترات الجفاف.
 - غياب التنسيق: بدون اتفاقيات واضحة وملزمة لملء وتشغيل هذه السدود، تفتقر دول المصب إلى ضمانات بشأن حصصها المائية.
 - الأمن الغذائي: يؤثر نقص المياه بشكل مباشر على القطاع الزراعي في مصر والسودان، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان.
 - توليد الطاقة: يمكن أن تؤثر التغيرات في تدفقات النيل على قدرة السد العالي في مصر على توليد الكهرباء.
 
أما السودان، فيواجه تحديات مماثلة تتعلق بالري والزراعة، فضلاً عن المخاوف من تأثيرات محتملة على البنى التحتية لسدوده الخاصة والتحكم في الفيضانات.
ردود الفعل الإقليمية والجهود الدبلوماسية
غالباً ما تدعو مصر والسودان إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل بشأن ملء وتشغيل أي سدود إثيوبية على النيل، لضمان عدم الإضرار بمصالحهما المائية. يُتوقع أن تعود هذه الدعوات للظهور بقوة عقب الإعلان عن قرب اكتمال السد الجديد.
من شأن هذا التطور أن يدفع باتجاه تجدد الجهود الدبلوماسية الرامية لإيجاد حلول تفاوضية بين الدول الثلاث. قد تشمل هذه الجهود البحث عن آليات لتبادل البيانات والمعلومات، وتنسيق جداول الملء والتشغيل لجميع السدود الإثيوبية الكبرى، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات جميع الأطراف ومبدأ عدم التسبب في ضرر جسيم لدول المصب. لقد أكدت العديد من الجهات الدولية على أهمية الحوار والتعاون الإقليمي كسبيل وحيد لتجنب تفاقم التوترات وضمان الاستقرار في المنطقة.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
يُبرز الإعلان عن اقتراب الانتهاء من ثاني أكبر سدود إثيوبيا استمرار النهج الإثيوبي في استغلال موارد النيل لتحقيق التنمية. وفي الوقت ذاته، يُسلط الضوء على هشاشة الأمن المائي في دول المصب وحاجة المنطقة الماسة إلى إطار عمل إقليمي قوي لإدارة الموارد المائية المشتركة بشكل مستدام وعادل. يعتمد مستقبل العلاقة بين دول حوض النيل بشكل كبير على مدى قدرتها على تحويل التحديات المائية إلى فرص للتعاون والتكامل، بدلاً من أن تكون مصدراً للخلاف والتوتر.





