إدارة ترمب تتفاوض على استثمار حكومي في شركات الحوسبة الكمية مقابل حصص ملكية
أفادت تقارير إخبارية، أبرزها صحيفة

وول ستريت جورنال
في تقرير نشرته مؤخرًا يوم الأربعاء، أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب كانت تجري محادثات مع عدد من شركات الحوسبة الكمية الناشئة في الولايات المتحدة. هدفت هذه المفاوضات إلى حصول الحكومة الفيدرالية على حصص ملكية في هذه الشركات مقابل تقديم تمويل حكومي كبير، في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد للإدارة الأمريكية بالتقنيات الاستراتيجية المتقدمة. جاءت هذه المحادثات في سياق جهود أوسع خلال الفترة من أواخر عام 2019 إلى أوائل عام 2020، لتعزيز الابتكار التكنولوجي الأمريكي وتأمين الريادة في المجالات ذات الأهمية الحيوية للأمن القومي والاقتصاد.الخلفية والأهمية الاستراتيجية
تعتبر الحوسبة الكمية مجالًا ثوريًا واعدًا يهدف إلى تطوير جيل جديد من أجهزة الكمبيوتر القادرة على حل مشكلات معقدة تفوق قدرات أقوى الحواسيب الفائقة التقليدية الحالية. فبدلًا من استخدام البتات التي تمثل صفرًا أو واحدًا، تعتمد أجهزة الكمبيوتر الكمومية على "كيوبتات" يمكن أن تكون صفرًا وواحدًا في الوقت نفسه (تراكب كمي)، مما يتيح لها معالجة كميات هائلة من المعلومات بشكل متوازٍ. يُتوقع أن تُحدث هذه التقنية تحولًا جذريًا في مجالات متعددة، مثل:
- تطوير الأدوية والمواد الجديدة: من خلال محاكاة الجزيئات والتفاعلات الكيميائية بدقة غير مسبوقة.
- تحسين الذكاء الاصطناعي: بفضل قدرتها على معالجة مجموعات بيانات ضخمة وتحسين خوارزميات التعلم الآلي.
- الأمن السيبراني: حيث يمكنها فك تشفير العديد من أنظمة التشفير الحالية، مما يستدعي تطوير طرق تشفير جديدة مقاومة للكم.
- الخدمات المالية واللوجستيات: عبر تحسين النماذج المالية وحل مشكلات التحسين المعقدة.
نظرًا لهذه الإمكانات الهائلة، أصبحت الحوسبة الكمية نقطة محورية في التنافس التكنولوجي العالمي، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين. ترى واشنطن أن الاستثمار في هذا المجال ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو ضرورة استراتيجية للحفاظ على التفوق التكنولوجي وضمان الأمن القومي في المستقبل.
تفاصيل المفاوضات والدوافع
أشارت التقارير إلى أن المفاوضات دارت حول حصول الحكومة الأمريكية على حصص أقلية في عدد من الشركات المتخصصة في تطوير تكنولوجيا الحوسبة الكمية. في المقابل، كانت الإدارة مستعدة لتقديم تمويل فيدرالي لدعم عمليات البحث والتطوير المكلفة لهذه الشركات. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لعدة أسباب رئيسية:
- تسريع وتيرة البحث والتطوير: تُعد الحوسبة الكمية مجالًا يحتاج إلى استثمارات ضخمة وطويلة الأجل، والتمويل الفيدرالي يمكن أن يوفر الاستقرار اللازم للشركات الناشئة لمواصلة عملها.
- الحفاظ على الملكية الفكرية الأمريكية: من خلال امتلاك حصص في هذه الشركات، يمكن للحكومة الأمريكية أن تكون لها كلمة في الحفاظ على التقنيات الحساسة داخل البلاد ومنع تسربها إلى المنافسين الأجانب.
- تعزيز سلسلة التوريد المحلية: ضمان أن تكون المكونات والخبرات الأساسية لتكنولوجيا الكم موجودة ومطورة محليًا، مما يقلل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية المعقدة.
- مواجهة المنافسة الدولية: على غرار الصين التي تتبع نموذجًا قائمًا على الدعم الحكومي المكثف للشركات التكنولوجية الاستراتيجية، سعت الولايات المتحدة لتبني نهج مماثل لتعزيز قدراتها التنافسية.
من جانب الشركات، كان الحصول على التمويل الفيدرالي يمثل فرصة لتمويل جهودها البحثية المكلفة للغاية، وتجاوز قيود التمويل الخاص، وتسريع عملية تسويق تقنياتها. كما أن الشراكة مع الحكومة قد تمنحها مصداقية إضافية وتفتح الأبواب أمام عقود حكومية مستقبلية.
سياق السياسة التكنولوجية الأمريكية
لا تُعد هذه المفاوضات حادثة منعزلة، بل تندرج ضمن استراتيجية أمريكية أوسع لتعزيز الريادة في التكنولوجيا المتقدمة. فقد قامت الولايات المتحدة بالفعل بسن قوانين مثل قانون مبادرة الكم الوطنية لعام 2018، الذي خصص مليارات الدولارات للبحث والتطوير في مجال الحوسبة الكمية عبر الجامعات والمختبرات الفيدرالية والقطاع الخاص. تهدف هذه المبادرات إلى تنسيق الجهود الوطنية وإنشاء بنية تحتية قوية للبحث الكمي.
كما يعكس هذا النهج قلقًا متزايدًا بشأن التحديات الجيوسياسية والتكنولوجية، خاصة مع صعود قوى مثل الصين التي تستثمر بقوة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية. تسعى الإدارة الأمريكية إلى ضمان أن تظل الشركات الأمريكية في طليعة هذه الثورة التكنولوجية، معتبرة أن الفشل في ذلك قد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي والازدهار الاقتصادي.
التحديات والآثار المحتملة
على الرغم من الأهداف الاستراتيجية، فإن نموذج "الأسهم مقابل التمويل" يثير عدة تساؤلات وتحديات:
- تأثير الحكومة على الابتكار: قد يؤدي التدخل الحكومي المباشر في ملكية الشركات إلى مخاوف بشأن استقلالية الابتكار وسرعة اتخاذ القرار في بيئة سريعة التطور.
- قضايا الملكية الفكرية: تحديد حقوق الملكية الفكرية الناتجة عن البحث الممول حكوميًا يمكن أن يكون معقدًا ويتطلب أطرًا قانونية واضحة.
- تشويه السوق: قد يرى البعض أن الدعم الحكومي المباشر يمكن أن يشوه المنافسة في السوق، مما يفضل شركات معينة على حساب أخرى.
- التوازن بين الأمن والشفافية: تحقيق التوازن بين حماية التقنيات الحساسة والحفاظ على بيئة بحثية مفتوحة وتعاونية.
إذا تمت هذه الصفقات، فمن المرجح أن تكون لها آثار بعيدة المدى على المشهد التكنولوجي الأمريكي. يمكن أن تسرع من تطوير الحوسبة الكمية وتجعل الولايات المتحدة في صدارة هذا المجال، لكنها ستحدد أيضًا سابقة جديدة لكيفية تفاعل الحكومة مع الشركات الخاصة في القطاعات التكنولوجية الحيوية. هذه المفاوضات تسلط الضوء على استراتيجية حكومية متجددة لمواجهة التحديات التكنولوجية والجيوسياسية المتزايدة، مع التركيز على الاستثمار المباشر في القدرات المحلية لضمان التفوق المستقبلي.





