إدانة تاريخية في لاهاي: تفاصيل الحكم على علي كوشيب بجرائم حرب في دارفور
في خطوة قضائية وُصفت بالتاريخية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي حكماً بإدانة علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف على نطاق واسع بلقب "علي كوشيب"، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور السوداني. يمثل هذا الحكم، الذي جاء بعد سنوات طويلة من انتظار الضحايا، أول إدانة تصدرها المحكمة في القضية المتعلقة بالفظائع التي شهدها الإقليم منذ أوائل الألفية، مما يفتح الباب أمام محاسبة كبار المسؤولين عن تلك الجرائم.

من هو علي كوشيب؟
يُعد علي كوشيب، الذي وُلد في منتصف الخمسينيات، أحد أبرز القادة الميدانيين لميليشيا "الجنجويد" سيئة السمعة. وقد اكتسب نفوذاً كبيراً خلال الصراع في دارفور، حيث كان يُعرف بلقب "عقيد العقداء". ووفقاً للائحة الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، قاد كوشيب هجمات ممنهجة وواسعة النطاق ضد السكان المدنيين في مناطق غرب دارفور، وتحديداً في محليات وادي صالح ومكجر وجبل مرة بين عامي 2003 و2004، حيث يُعتقد أنه كان ينفذ أوامر مباشرة من الحكومة السودانية آنذاك تحت قيادة عمر البشير.
خلفية الصراع والاتهامات الموجهة
اندلع النزاع في إقليم دارفور عام 2003 عندما حملت مجموعات متمردة السلاح ضد الحكومة المركزية في الخرطوم، متهمة إياها بتهميش الإقليم سياسياً واقتصادياً. ردت الحكومة بحملة عسكرية شرسة، اعتمدت فيها بشكل كبير على ميليشيا الجنجويد، التي شكلت من رجال القبائل العربية المحلية. وقد اتُهمت هذه الميليشيات بارتكاب فظائع مروعة ضد المدنيين من القبائل غير العربية، بما في ذلك القتل الجماعي والاغتصاب والتهجير القسري. وفي هذا السياق، وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات محددة لعلي كوشيب تشمل:
- جرائم ضد الإنسانية: القتل، الإبادة، النقل القسري، الاغتصاب، الأفعال اللاإنسانية، السجن، والتعذيب.
- جرائم حرب: توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، القتل، الاغتصاب، النهب، وتدمير الممتلكات.
تغطي هذه الاتهامات عشرات الحوادث الموثقة التي أدت إلى مقتل مئات المدنيين وتشريد الآلاف، والتي أشرف عليها كوشيب أو شارك فيها بشكل مباشر.
مسار المحاكمة الطويل
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول مذكرة توقيف بحق علي كوشيب في عام 2007، لكنه ظل هارباً من العدالة لأكثر من 13 عاماً، مستفيداً من حماية النظام السابق في السودان. شكلت الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019 نقطة تحول، حيث ضاقت الدائرة على كوشيب. وفي تطور مفاجئ في يونيو 2020، قام بتسليم نفسه طواعية للسلطات في جمهورية أفريقيا الوسطى، ليتم نقله بعدها إلى مركز الاحتجاز التابع للمحكمة في لاهاي. بدأت محاكمته رسمياً في أبريل 2022، حيث استمعت المحكمة إلى شهادات عشرات الشهود والضحايا، وقدم الادعاء آلاف الوثائق التي تدعم التهم الموجهة إليه.
أهمية الحكم وتداعياته
تكمن الأهمية الكبرى لهذا الحكم في كونه يمثل انتصاراً للعدالة الدولية وخطوة ملموسة نحو إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت طويلاً فيما يتعلق بجرائم دارفور. بالنسبة لآلاف الضحايا الذين عانوا من ويلات الحرب، فإن إدانة شخصية محورية مثل كوشيب تقدم اعترافاً قضائياً بمعاناتهم وتجدد الأمل في إمكانية تحقيق العدالة الكاملة. كما يبعث الحكم رسالة قوية إلى مرتكبي الجرائم الجسيمة في جميع أنحاء العالم بأنهم قد يواجهون يوماً ما العدالة، حتى بعد مرور سنوات طويلة. ويُعتقد أن هذه الإدانة قد تمهد الطريق لمحاكمة متهمين آخرين رفيعي المستوى في قضية دارفور، بمن فيهم الرئيس السابق عمر البشير المطلوب أيضاً من قبل المحكمة.




