إسرائيل تحدد رؤيتها لغزة ما بعد الحرب وسط خلافات مع واشنطن
مع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، تبرز خلافات متزايدة في الرؤى بين إسرائيل وحليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، حول مستقبل القطاع في مرحلة ما بعد الحرب. وقد تحولت هذه النقاشات إلى تباين علني في المواقف بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما يلقي بظلال من الشك على مسار الحلول السياسية والأمنية طويلة الأمد للمنطقة.

خلفية الخلافات
منذ بدء الصراع الأخير، تركزت الجهود الدولية ليس فقط على وقف إطلاق النار، بل أيضًا على وضع خطة واضحة لما يُعرف بـ "اليوم التالي" في غزة. وفي هذا السياق، كشفت الأسابيع الأخيرة عن فجوة كبيرة بين الأهداف الإسرائيلية، التي تركز بشكل أساسي على الأمن والقضاء على أي تهديد مستقبلي، وبين الرؤية الأمريكية التي تسعى إلى إطار سياسي شامل يمهد الطريق لحل الدولتين. وتُعد هذه الخلافات نقطة محورية قد تحدد مستقبل العملية السلمية برمتها والعلاقات الإسرائيلية الأمريكية.
الرؤية الإسرائيلية: خطوط نتنياهو الحمراء
أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مناسبات متعددة عن المبادئ التي تحكم رؤية حكومته لمستقبل غزة، والتي يمكن تلخيصها في عدة نقاط أساسية تشكل ما يعتبره "الخطوط الحمراء" لإسرائيل. تشمل هذه الرؤية ما يلي:
- السيطرة الأمنية الكاملة: إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية الشاملة على قطاع غزة إلى أجل غير مسمى، بما في ذلك حرية الدخول والخروج لتنفيذ عمليات عسكرية لمنع عودة أي تنظيمات مسلحة.
- نزع السلاح: يجب أن يكون قطاع غزة منزوع السلاح بالكامل لضمان عدم استخدامه مرة أخرى لتهديد أمن إسرائيل.
- رفض السلطة الفلسطينية: رفض قاطع لعودة السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية لإدارة قطاع غزة، حيث يرى نتنياهو أنها لا تختلف أيديولوجيًا عن حركة حماس.
- إنشاء منطقة عازلة: طرحت إسرائيل فكرة إقامة منطقة أمنية عازلة على طول الحدود داخل قطاع غزة لمنع أي هجمات مستقبلية، وهو ما ترفضه واشنطن ودول أخرى باعتباره تقليصًا لأراضي القطاع.
الموقف الأمريكي: رؤية إدارة بايدن
في المقابل، قدمت إدارة جو بايدن رؤية مختلفة جذريًا، ترتكز على ضرورة وجود مسار سياسي واضح ومستدام. وقد عبر مسؤولو الإدارة، وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، عن الموقف الأمريكي بشكل متكرر خلال جولاتهم في المنطقة. وتتمحور الرؤية الأمريكية حول المبادئ التالية:
- حكم فلسطيني موحد: ضرورة أن تخضع غزة والضفة الغربية لحكم سلطة فلسطينية "مُتجددة" ومُصلَحة، تكون قادرة على إدارة شؤون الفلسطينيين بفعالية.
- رفض إعادة الاحتلال: معارضة أي احتلال إسرائيلي طويل الأمد لغزة أو تقليص مساحتها أو فرض حصار دائم عليها.
- دور دولي وإقليمي: تشجيع قيام قوات عربية أو دولية بدور مؤقت في حفظ الأمن خلال فترة انتقالية، للمساعدة في استقرار الوضع وتمكين السلطة الفلسطينية من بسط سيطرتها.
- مسار نحو حل الدولتين: التأكيد على أن أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب يجب أن تكون جزءًا من مسار واضح يفضي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.
أهمية الأزمة وتداعياتها المحتملة
يعكس هذا التباين العلني تحديًا كبيرًا للعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فبينما تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي، تجد إدارة بايدن نفسها تحت ضغط دولي ومحلي لإيجاد حل دائم يمنع تكرار دوامات العنف. إن الفشل في التوصل إلى رؤية مشتركة قد يعقد جهود إعادة إعمار غزة، ويؤدي إلى فراغ أمني وسياسي قد تستغله أطراف أخرى، كما أنه يهدد بتقويض الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع. لا تزال المحادثات جارية خلف الكواليس، ولكن المواقف المعلنة تشير إلى أن الطريق للتوصل إلى اتفاق لا يزال طويلًا ومعقدًا.





