إسرائيل ترسخ وجودها العسكري في غزة عبر "ممر نتساريم" لتقسيم القطاع
يعمل الجيش الإسرائيلي منذ مطلع عام 2024 على إنشاء وتأمين ممر استراتيجي يقسم قطاع غزة إلى قسمين، شمالي وجنوبي، فيما يبدو أنه تحول نحو سياسة تواجد عسكري طويل الأمد. يُعرف هذا الممر باسم "ممر نتساريم" أو "الممر 749"، ويمتد من المناطق الحدودية شرق مدينة غزة وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويشكل تطوراً ميدانياً بارزاً قد يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للقطاع في مرحلة ما بعد الحرب.
خلفية الممر وأهميته الاستراتيجية
يستمد الممر اسمه من مستوطنة "نتساريم" الإسرائيلية السابقة التي كانت موجودة في نفس المنطقة قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005. الهدف المعلن من إنشاء هذا الممر هو منح القوات الإسرائيلية حرية حركة عملياتية، وعزل شمال القطاع الذي شهد عمليات عسكرية مكثفة، ومنع مقاتلي حركة حماس من التنقل بين شطري القطاع. يتيح هذا الخط الفاصل للجيش الإسرائيلي القدرة على تنفيذ غارات سريعة وعمليات عسكرية داخل المناطق المأهولة بالسكان شمالاً وجنوباً، بالإضافة إلى التحكم بشكل كامل في عودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم في شمال غزة.
التطورات الأخيرة وأعمال الإنشاء
أظهرت صور الأقمار الصناعية وتحليلات ميدانية خلال الأشهر الماضية تقدماً كبيراً في أعمال البناء والتحصين على طول الممر. لم تعد المنطقة مجرد مسار ترابي، بل تحولت إلى بنية تحتية عسكرية متكاملة. تشمل الأعمال المنجزة ما يلي:
- إنشاء طريق معبّد يمتد لعدة كيلومترات بعرض كافٍ لمرور المركبات العسكرية الثقيلة والدبابات.
- إقامة قواعد عسكرية ونقاط محصنة على طول الطريق لتأمين سيطرة نيرانية ومراقبة مستمرة.
- تجريف مساحات واسعة من الأراضي وتدمير عشرات المباني السكنية والمنشآت المدنية، بما في ذلك أجزاء من جامعة، لتوسيع المنطقة العازلة حول الممر.
- نشر أبراج مراقبة مزودة بتقنيات استشعار متقدمة لرصد أي تحركات في محيط الممر.
هذه الإجراءات تشير إلى أن الخطط تتجاوز مجرد الاحتياجات التكتيكية المؤقتة وتتجه نحو تأسيس واقع أمني جديد ودائم على الأرض.
التأثير على الوضع الإنساني والسياسي
على الصعيد الإنساني، يمثل الممر عقبة رئيسية أمام عودة أكثر من مليون نازح فلسطيني إلى منازلهم في شمال غزة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبلهم. كما أن تدمير الممتلكات والبنية التحتية لإنشاء الممر يضيف طبقة جديدة من المعاناة للسكان المحليين. أما سياسياً، فينظر الفلسطينيون والمراقبون الدوليون إلى هذا المشروع كخطوة نحو إعادة احتلال أجزاء من غزة وتقليص مساحة الأراضي الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع التصريحات الدولية، بما في ذلك الموقف الأمريكي، التي ترفض أي تغيير دائم في وضع القطاع الجغرافي أو الأمني.
ردود الفعل والمواقف الدولية
تؤكد السلطات الإسرائيلية أن الممر هو إجراء أمني ضروري لمنع تكرار هجمات 7 أكتوبر، وتصفه بأنه جزء من استراتيجيتها لـ"اليوم التالي" للحرب. في المقابل، أدانت السلطة الفلسطينية وفصائل فلسطينية أخرى هذه الخطوة، معتبرة إياها محاولة لفرض واقع جديد يكرس الاحتلال ويعيق أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً. دولياً، أبدت الولايات المتحدة ودول أوروبية قلقها من أي خطوات قد تؤدي إلى إعادة احتلال غزة أو تقسيمها، مشددة على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي القطاع كجزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية. ومع ذلك، لم تمنع هذه المواقف إسرائيل من المضي قدماً في مشروعها على الأرض، الذي بات يشكل حقيقة ميدانية مؤثرة.





