إطلاق مبادرة حرفية لتعليم فن الخوص وإنعاشه منزلياً
مؤخراً، أعلن الحرفي أحمد الفلاحي عن إطلاق مبادرة مجتمعية طموحة تهدف إلى إحياء فن الخوص التقليدي وتعليمه في المنازل، وذلك بهدف الحفاظ على هذا التراث العريق وتوفير فرص دخل للأسر. وتأتي هذه الخطوة في ظل تزايد المخاوف بشأن اندثار الحرف اليدوية الأصيلة أمام المد الحديث والمنتجات المصنعة.
أهمية فن الخوص وتاريخه العريق
يمثل فن الخوص جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي الغني في العديد من مناطق العالم العربي، لا سيما تلك التي تشتهر بزراعة النخيل. تاريخياً، كان النخيل شجرة الحياة لسكان هذه المناطق، حيث استُخدم كل جزء منها لتلبية الاحتياجات الأساسية. وقد برع الأجداد في تحويل سعف النخيل إلى مجموعة واسعة من الأدوات المنزلية الضرورية، مثل الحصر، السلال، أغطية الطعام، المراوح اليدوية، وحتى أجزاء من الأثاث. لم تكن هذه المنتجات مجرد أدوات وظيفية، بل كانت تحمل قيمة جمالية وفنية عالية، تعكس ذوق الصانع ومهارته. ومع مرور الزمن ودخول المنتجات الصناعية الرخيصة والجاهزة إلى الأسواق، بدأ فن الخوص يشهد تراجعاً ملحوظاً، مهدداً بالاندثار وفقدان أجيال الخبرة التي توارثتها الأسر جيلاً بعد جيل. إن إتقان هذه الحرفة يتطلب صبراً، دقة، ومعرفة عميقة بخصائص المواد وطرق التعامل معها، مما يجعلها حرفة فريدة تعكس جانباً مهماً من الهوية الثقافية.
تفاصيل المبادرة وأهدافها التنموية
تتركز مبادرة الحرفي أحمد الفلاحي على تقديم تدريب مكثف على فن الخوص، مع التركيز على تسهيل وصول الراغبين في التعلم إلى المواد الخام والمعرفة اللازمة دون الحاجة لمغادرة منازلهم. تهدف المبادرة بشكل أساسي إلى تحقيق عدة أهداف متكاملة:
- الحفاظ على التراث: ضمان استمرارية فن الخوص كجزء حي من الهوية الثقافية والتراثية، وتوعية الأجيال الجديدة بقيمته.
- التمكين الاقتصادي: توفير فرص دخل مستدامة للأسر، لا سيما النساء وربات البيوت والشباب، من خلال تحويل هذه المهارة إلى مشروع إنتاجي منزلي.
- نشر المعرفة والمهارة: نقل الخبرة المتراكمة في فن الخوص إلى شريحة أوسع من المجتمع، مما يساهم في بناء جيل جديد من الحرفيين.
- التجديد والابتكار: تشجيع المتدربين على دمج التصاميم التقليدية بلمسات عصرية لتلبية الأذواق الحديثة، مما يفتح أسواقاً جديدة للمنتجات المصنوعة من الخوص.
تشمل المبادرة ورش عمل عملية تقام في مراكز مجتمعية محددة، بالإضافة إلى تقديم دروس افتراضية وموارد تعليمية عبر الإنترنت لضمان أقصى قدر من الوصول. كما يحرص الفلاحي على توفير الدعم اللازم للمتدربين، من تأمين سعف النخيل الجاف والمعد للنسج، إلى المساعدة في تسويق المنتجات النهائية من خلال معارض محلية ومنصات التجارة الإلكترونية، مما يضمن أن تكون المبادرة ذات جدوى اقتصادية فعلية للمشاركين.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من حماس واستجابة المجتمع للمبادرة، تواجهها بعض التحديات الجوهرية. من أبرز هذه التحديات، صعوبة توفير كميات كافية من سعف النخيل عالي الجودة بشكل مستمر، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة من المنتجات الصناعية ذات التكلفة المنخفضة. كما أن تغيير النظرة المجتمعية لفن الخوص من مجرد حرفة قديمة إلى مصدر إبداعي ومدر للدخل يتطلب جهوداً تسويقية وتوعوية مستمرة. ومع ذلك، يبدو أن الآفاق المستقبلية للمبادرة واعدة، حيث يخطط الحرفي أحمد الفلاحي لتوسيع نطاقها لتشمل مناطق جغرافية أوسع، وإقامة شراكات مع المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الربحية لدعم المتدربين وتوفير التدريب المتقدم. كما يتطلع إلى دمج التقنيات الحديثة في عملية التعليم والتسويق، وتنظيم مسابقات ومعارض سنوية لتشجيع الابتكار وعرض أفضل المنتجات. هذه الجهود المتواصلة تهدف إلى ترسيخ مكانة فن الخوص كحرفة تراثية ذات قيمة اقتصادية وثقافية عالية، وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.





