إفراج الحوثيين عن عارضة أزياء يمنية بعد حبس استمر نحو خمس سنوات
في خطوة لاقت ترحيباً واسعاً من قبل منظمات حقوق الإنسان، أفرجت جماعة الحوثي، التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء، عن عارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي بعد فترة احتجاز وسجن استمرت نحو خمس سنوات. جاء الإفراج عنها يوم الأحد الموافق 2 يونيو/حزيران 2024، لتنهي بذلك فصلاً طويلاً من المعاناة خلف قضبان السجون الخاضعة لسيطرة الجماعة، والتي بدأت باعتقالها عام 2021.

خلفية الاعتقال والقضية
كان اعتقال الحمادي في فبراير/شباط 2021 نقطة تحول في حياتها المهنية والشخصية. حيث ألقت قوات الأمن التابعة للحوثيين القبض عليها رفقة ثلاث من زميلاتها أثناء تواجدها في أحد شوارع صنعاء. وقد واجهت اتهامات عدة، وصفتها منظمات حقوقية ومحاميها بأنها ملفقة وذات دوافع سياسية:
- تهمة ارتكاب "أفعال مخلة بالآداب العامة".
- تهمة حيازة المخدرات.
- تهمة ممارسة الدعارة.
هذه التهم، وفقاً لمحاميها ومنظمات حقوقية بارزة مثل "مواطنة لحقوق الإنسان" ومنظمة العفو الدولية، كانت تفتقر إلى أدلة دامغة، ووُصفت بأنها استهداف مباشر لحرياتها الشخصية وعملها كعارضة أزياء وممثلة، وهي مهنة تتعارض مع التفسير المتشدد للشريعة الذي تفرضه الجماعة في مناطق سيطرتها. المحاكمة التي تلت الاعتقال افتقرت إلى معايير العدالة الدولية، حيث أشار محاموها ومنظمات حقوقية إلى انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك حرمانها من الاتصال بمحاميها في بداية الاعتقال وإجبارها على توقيع اعترافات تحت الإكراه. في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، صدر حكم ضدها بالسجن لمدة خمس سنوات، مما أثار موجة غضب واسعة على الصعيدين المحلي والدولي.
تعتبر قضية انتصار الحمادي جزءاً من نمط أوسع لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق النساء، الناشطين، والفنانين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014، فرضت الجماعة قيوداً صارمة على الحريات الشخصية والعامة، مستهدفة بشكل خاص الفضاء المدني والحقوق الثقافية والاجتماعية للنساء، وذلك في إطار سعيها لفرض رؤيتها الدينية والاجتماعية المحافظة التي تحد من مشاركة المرأة في الحياة العامة والفنية.
التطورات الأخيرة والإفراج
جاء الإفراج عن انتصار الحمادي بعد جهود مضنية بذلها محاميها، السيد خالد الكمال، ودعوات متواصلة من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، التي طالبت مراراً بإطلاق سراحها وجميع المعتقلين تعسفياً. هذه الضغوط المتزايدة، إلى جانب التغطية الإعلامية الواسعة لقضيتها، ربما لعبت دوراً في قرار الحوثيين بالإفراج عنها. تفاصيل الإفراج لم تكن واضحة بشكل كامل، لكن التقارير الأولية أشارت إلى أن إطلاق سراحها جاء كجزء من عملية تبادل أسرى أو كبادرة قد تكون مرتبطة بجهود التهدئة الجارية في اليمن، أو ربما نتيجة لضغط داخلي وخارجي متزايد يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أكد محاميها أنها أصبحت حرة طليقة، وأنها في طريقها للعودة إلى عائلتها بعد أن أمضت هذه السنوات العصيبة.
دلالات الخبر وتداعياته
يمثل الإفراج عن انتصار الحمادي بارقة أمل، ولكنه في الوقت ذاته يسلط الضوء على الوضع المزري لحقوق الإنسان في اليمن، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فقصتها تجسد التحديات التي تواجهها النساء والفنانون والأصوات المستقلة تحت حكم يفرض قيوداً صارمة على الحريات الشخصية والتعبير الفني.
من جهة، يعد هذا الإفراج انتصاراً جزئياً للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين عملوا بلا كلل من أجل قضيتها. وهو يبعث برسالة مفادها أن الضغط الدولي والمحلي يمكن أن يؤتي ثماره، حتى في ظل أنظمة قمعية.
من جهة أخرى، لا يزال الآلاف من المعتقلين تعسفياً، بمن فيهم ناشطون وصحفيون ومعارضون سياسيون ونساء، يقبعون في سجون الحوثيين وغيرهم من أطراف النزاع في اليمن. تشكل قضية الحمادي تذكيراً صارخاً بالحاجة الملحة إلى مساءلة جميع الأطراف المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان حماية الحريات الأساسية لجميع اليمنيين. كما أنها تؤكد على ضرورة احترام الحق في التعبير والعمل الفني دون خوف من الاضطهاد أو السجن، وتأمين بيئة تسمح للمرأة اليمنية بممارسة حقوقها المدنية والثقافية والاجتماعية دون قيود مفروضة تعسفياً.
بينما تستعيد انتصار الحمادي حريتها بعد سنوات من المحنة، تبقى الأنظار متجهة نحو اليمن، حيث تستمر الحاجة الملحة إلى جهود دولية ومحلية لإنهاء الصراع، وإرساء دعائم العدالة، وحماية حقوق الإنسان، ووقف جميع أشكال الانتهاكات بحق المدنيين، لا سيما النساء والناشطين.





