اتهامات لدول إفريقية بالتورط في الحرب السودانية وصمت مريب من الاتحاد الإفريقي
أكد دبلوماسي سابق، في تصريحات صدرت مؤخرًا، وجود شبهات قوية حول تورط دول إفريقية في الحرب الدائرة في السودان، وذلك في الوقت الذي يلتزم فيه الاتحاد الإفريقي صمتًا "مريبًا" تجاه هذه التطورات الخطيرة. هذه التصريحات تسلط الضوء على التعقيدات المتزايدة للصراع السوداني والأبعاد الإقليمية التي تكتنفه، وتثير تساؤلات جدية حول فعالية الآليات الإقليمية والدولية في التعامل مع الأزمات داخل القارة.

الخلفية: اشتعال الصراع في السودان
اندلعت الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF)، متحولة بذلك الخلافات السياسية العميقة إلى صراع عسكري مدمر. أدت الاشتباكات العنيفة، التي تركزت في البداية حول العاصمة الخرطوم ثم امتدت إلى مناطق أخرى مثل دارفور وكردفان، إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص من منازلهم، داخليًا وخارجيًا، فيما يواجه الملايين خطر المجاعة. وقد شهدت المدن السودانية دمارًا هائلاً، وعمليات نهب، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
تكمن جذور هذا الصراع في الصراع على السلطة والنفوذ بين قيادة الجيش وقوات الدعم السريع، التي نشأت كقوة شبه عسكرية. تفاقمت الأزمة بعد الانقلاب العسكري في عام 2021، الذي أوقف الانتقال المدني الديمقراطي، مما أدى إلى تزايد التوترات السياسية والعسكرية التي بلغت ذروتها في المواجهة الحالية.
ادعاءات التورط الإقليمي في الصراع
تشير تصريحات الدبلوماسي السابق إلى ما يتناقله كثيرون في الأوساط الدبلوماسية والتحليلية بشأن تورط بعض الدول الإفريقية، بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم أحد طرفي الصراع في السودان. ورغم أن هذه الاتهامات غالبًا ما تكون غير مدعومة بأدلة علنية دامغة، إلا أنها تستند إلى تقارير استخباراتية وتحليلات لوجستية تشير إلى تدفق أسلحة أو دعم مالي أو لوجستي عبر الحدود.
- الدعم اللوجستي والعسكري: يُعتقد أن بعض الدول توفر ممرات آمنة لشحن الأسلحة أو المعدات العسكرية، أو حتى تستضيف معسكرات تدريب لعناصر تابعة لأحد الأطراف المتحاربة.
- الدعم المالي: قد تشمل أشكال التورط تقديم مساعدات مالية غير معلنة تساهم في تمويل العمليات العسكرية وتطيل أمد الصراع.
- المصالح الإقليمية: غالبًا ما تكون هذه التدخلات مدفوعة بمصالح جيوسياسية واقتصادية، مثل السيطرة على الموارد الطبيعية، أو تأمين الحدود، أو توسيع النفوذ الإقليمي، أو حتى استهداف مجموعات معارضة داخلية عبر دعم طرف خارجي.
هذا التورط المزعوم لا يزيد الوضع تعقيدًا فحسب، بل يقوض أيضًا أي جهود إقليمية أو دولية حقيقية لتحقيق السلام، حيث يصبح هدف وقف إطلاق النار أكثر صعوبة عندما تكون هناك أطراف خارجية تستفيد من استمرار الحرب أو تسعى لنتائج محددة عبرها.
دور الاتحاد الإفريقي وصمته المثير للريبة
يتمتع الاتحاد الإفريقي بولاية قوية في حفظ السلام والأمن في القارة، وذلك بموجب بروتوكول مجلس السلم والأمن التابع له. ومع ذلك، منذ اندلاع الحرب في السودان، واجه الاتحاد انتقادات واسعة لبطء استجابته وعدم اتخاذه خطوات حاسمة لوقف النزاع أو تقديم رؤية واضحة للحل. بيان مجلس السلم والأمن الذي أشار إليه الدبلوماسي السابق غالبًا ما يُنظر إليه على أنه غير كافٍ ولا يعكس حجم الكارثة.
يمكن تفسير "الصمت المريب" للاتحاد الإفريقي بعدة عوامل محتملة:
- الخلافات الداخلية: قد تكون الدول الأعضاء منقسمة بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، خاصة إذا كانت مصالح بعض الدول متقاطعة مع أطراف الصراع، مما يعيق اتخاذ موقف موحد وقوي.
- احترام السيادة: يفضل الاتحاد غالبًا التركيز على الدبلوماسية والوساطة، ويواجه صعوبة في التدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء دون موافقتها، وذلك في ظل مبدأ السيادة الوطنية.
- التحديات اللوجستية والمالية: قد يفتقر الاتحاد الإفريقي إلى الموارد الكافية لتنفيذ عمليات حفظ سلام واسعة النطاق أو لفرض عقوبات مؤثرة دون دعم دولي أكبر.
- أولويات أخرى: قد تكون هناك أزمات أخرى على جدول أعمال الاتحاد تستنزف اهتمامه وموارده، مما يشتت التركيز عن الأزمة السودانية.
هذا الصمت، أو عدم الفعالية المتصورة، يترك فراغًا يسمح لأطراف أخرى بالتدخل ويزيد من يأس المدنيين السودانيين الذين يعولون على المنظمات الإقليمية في حماية أرواحهم ومستقبل بلادهم.
التداعيات والآفاق المستقبلية
إن استمرار الحرب في السودان وتدخل الجهات الإقليمية، إلى جانب صمت الاتحاد الإفريقي، له تداعيات خطيرة ليس فقط على السودان وشعبه، بل على استقرار المنطقة بأسرها. يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى:
- تفاقم الأزمة الإنسانية: مع كل يوم يمر، تتدهور الأوضاع الإنسانية، وتزداد أعداد النازحين واللاجئين، وتتسع رقعة المجاعة.
- تدهور الأمن الإقليمي: قد يمتد الصراع إلى الدول المجاورة، أو يشجع على ظهور حركات مسلحة أخرى، أو يزيد من تدفق اللاجئين عبر الحدود، مما يزعزع استقرار دول المنطقة.
- تقويض جهود السلام: يصبح التوصل إلى حل سياسي دائم أكثر صعوبة في ظل تعدد الأطراف الفاعلة والتدخلات الخارجية، حيث تتضارب المصالح وتتضاءل فرص التوافق.
- فقدان الثقة في المؤسسات الإقليمية: إذا لم يتمكن الاتحاد الإفريقي من الاضطلاع بدوره بفعالية، فإن ذلك يقوض ثقة الشعوب الإفريقية والمجتمع الدولي في قدرة هذه المؤسسات على حل الأزمات الداخلية.
يظل السودان بحاجة ماسة إلى استجابة دولية وإقليمية منسقة وفعالة لوقف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، والدفع نحو حل سياسي شامل يعيد الاستقرار إلى البلاد ويستجيب لتطلعات شعبه.




