استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث عن جثامين تحت أنقاض غزة
في تطور لافت يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والعمل الإنساني في أعقاب النزاعات، أفادت تقارير صدرت خلال الأسابيع الأخيرة عن انخراط فرق متخصصة في مهمة بالغة التعقيد والخطورة في قطاع غزة. تستخدم هذه الفرق تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحديد المواقع المحتملة لجثامين مفقودين تحت أطنان من الركام الذي خلفه القصف والعمليات العسكرية، في محاولة لتقديم إجابات لعائلات تنتظر معرفة مصير أحبائها.

تفاصيل المهمة والأطراف المعنية
تتولى هذه المبادرة فرق متخصصة، من بينها فريق تابع لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان المصرية، والتي تعمل على الأرض بالتنسيق مع جهات معنية. تتمحور المهمة حول البحث عن رفات يعتقد أنها تعود لرهائن إسرائيليين فقدوا خلال النزاع. وتتركز الجهود في مناطق شهدت دماراً واسع النطاق، مما يجعل عمليات البحث التقليدية شبه مستحيلة بسبب حجم الأنقاض الهائل والمخاطر الأمنية واللوجستية المصاحبة.
تكتسب هذه العملية أهمية مزدوجة؛ فهي من جهة تمثل واجباً إنسانياً يهدف إلى إعادة رفات الموتى إلى ذويهم، ومن جهة أخرى، تحمل أبعاداً سياسية حساسة نظراً لطبيعة الأطراف المعنية والسياق الجغرافي للعملية. وتأتي هذه الخطوة في وقت تستمر فيه الجهود الدولية للتعامل مع التداعيات الإنسانية الكارثية للحرب في غزة.
دور التكنولوجيا في تضييق نطاق البحث
يكمن جوهر هذه المهمة غير المألوفة في توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات الجغرافية والبصرية بكفاءة وسرعة تفوق القدرات البشرية. تعتمد الآلية على عدة مدخلات تقنية متكاملة، تشمل:
- تحليل صور الأقمار الصناعية: يقوم الذكاء الاصطناعي بمقارنة صور عالية الدقة للمناطق المستهدفة قبل وبعد الدمار، للبحث عن أي تغييرات غير طبيعية في تضاريس الأرض أو لون التربة قد تشير إلى عمليات حفر أو دفن.
- مسح الطائرات بدون طيار (الدرونز): توفر لقطات جوية قريبة ومفصلة يمكن للذكاء الاصطناعي فحصها لرصد علامات دقيقة على السطح لا يمكن رؤيتها من ارتفاعات أعلى.
- بيانات الرادار المخترق للأرض (GPR): في بعض الحالات، يمكن استخدام هذه التقنية لإرسال موجات راديو إلى باطن الأرض، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات المرتدة لتحديد الفراغات أو الأجسام المدفونة تحت السطح.
من خلال معالجة هذه البيانات، تتمكن الخوارزميات من تحديد مناطق صغيرة ذات احتمالية عالية لوجود ما يتم البحث عنه، مما يسمح للفرق الميدانية بتركيز جهودها المادية وتجنب الحفر العشوائي الذي قد يكون خطيراً وغير مجدٍ.
السياق والتحديات الميدانية
تأتي هذه الجهود على خلفية دمار غير مسبوق في البنية التحتية والمباني السكنية في قطاع غزة، حيث تقدر كمية الركام بملايين الأطنان. ويشكل هذا الركام تحدياً هائلاً، فهو لا يعيق الوصول فحسب، بل قد يحتوي أيضاً على ذخائر غير منفجرة ومواد خطرة. إن عملية إزالة الأنقاض والبحث تحتها تتطلب معدات ثقيلة ووقتاً طويلاً وموارد ضخمة، وهي أمور تفتقر إليها المنطقة بشدة.
إلى جانب التحديات المادية، هناك تحديات لوجستية وأمنية، حيث يتطلب عمل الفرق على الأرض تنسيقاً دقيقاً لضمان سلامتهم في بيئة لا تزال هشة. وبالتالي، فإن استخدام التكنولوجيا لتحديد الأهداف بدقة يقلل من المخاطر ويزيد من فعالية العملية بشكل كبير.
أهمية المبادرة ومستقبلها
تُعد هذه العملية سابقة مهمة في استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض البحث والإنقاذ الإنساني في مناطق النزاع. فبينما استُخدمت التكنولوجيا سابقاً في تحليل الأضرار أو التخطيط لإعادة الإعمار، فإن تطبيقها في مهمة حساسة ومعقدة مثل البحث عن رفات بشرية يفتح آفاقاً جديدة. إذا أثبتت هذه الطريقة نجاحها، فقد تصبح نموذجاً يُحتذى به في الكوارث الطبيعية ومناطق الصراعات الأخرى حول العالم، مما يساعد على تسريع جهود التعافي وتقديم العزاء للأسر المتضررة. ومع ذلك، تبقى العملية محفوفة بالصعوبات، ويعتمد نجاحها النهائي على دقة التكنولوجيا وقدرة الفرق على العمل بأمان على الأرض.





