استخلاص الماء من الهواء: تقنية عالم عربي رائد تواجه الجفاف
في ظل التحديات المتزايدة لندرة المياه حول العالم وتفاقم مشكلة الجفاف بفعل التغيرات المناخية، برزت تقنيات مبتكرة لاستخلاص المياه من الغلاف الجوي كحلول واعدة. ومن أبرز الرواد في هذا المجال عالم عربي يُشيد بإسهاماته العلمية الكبيرة، وهو البروفيسور عمر ياغي. يركز عمل البروفيسور ياغي وفريقه على تطوير مواد جديدة قادرة على امتصاص الرطوبة من الهواء بكفاءة عالية وتحويلها إلى مياه صالحة للاستخدام، مما يبشر بمستقبل يمكن فيه توفير مصادر مياه مستدامة للمجتمعات المحرومة.

خلفية التقنية وأهميتها
تُعد مشكلة شُح المياه من أخطر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، حيث يؤثر نقص المياه على مليار شخص تقريباً ويعيش حوالي 2.7 مليار شخص في مناطق تعاني من ندرة المياه لمدة شهر واحد على الأقل من كل عام. وتزداد هذه المشكلة تعقيداً مع النمو السكاني وارتفاع درجات الحرارة العالمية. الطرق التقليدية لتوفير المياه، مثل تحلية مياه البحر، غالباً ما تكون مكلفة للغاية وتتطلب كميات كبيرة من الطاقة، مما يجعلها غير مجدية في العديد من المناطق النائية أو الفقيرة.
هنا تبرز أهمية تقنيات استخلاص الماء من الهواء. فالهواء يحتوي على كميات هائلة من بخار الماء، تُقدر بحوالي 13 تريليون لتر، وهو ما يمثل مصدراً غير مستغل يمكن الوصول إليه في أي مكان تقريباً، حتى في الصحاري. إن تطوير أنظمة فعالة لالتقاط هذا البخار وتكثيفه يوفر حلاً مستقلاً ولامركزياً لمشكلة المياه، دون الحاجة إلى بنية تحتية ضخمة أو الاعتماد على مصادر مياه جوفية أو سطحية تقليدية.
دور البروفيسور عمر ياغي ومواد MOFs
يُعرف البروفيسور عمر ياغي، الكيميائي من أصل أردني أمريكي وأستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي، على نطاق واسع بأنه رائد في مجال كيمياء الشبكات المعدنية العضوية (MOFs - Metal-Organic Frameworks). هذه المواد هي فئة جديدة من المواد المسامية التي تتميز بمساميتها الفائقة ومساحة سطحها الداخلية الهائلة، مما يجعلها مثالية لامتصاص الغازات والسوائل.
في السنوات الأخيرة، قاد ياغي أبحاثاً مكثفة حول تطبيق مواد MOFs في استخلاص الماء من الهواء. فالمواد التي طورها تتميز بقدرتها على التقاط جزيئات الماء من الهواء الجاف نسبياً حتى في مستويات الرطوبة المنخفضة (10-20%)، ثم إطلاقها عند تسخينها قليلاً. هذه العملية، التي لا تتطلب طاقة كبيرة، يمكن أن تتم باستخدام مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية، مما يجعلها حلاً صديقاً للبيئة ومستداماً.
التطورات الحديثة والآفاق المستقبلية
منذ الكشف عن هذه التقنية، شهدت جهود تطويرها تقدماً ملحوظاً. نجحت شركة Water Harvesting Inc.، التي شارك البروفيسور ياغي في تأسيسها، في تطوير نماذج أولية من أجهزة استخلاص الماء تعمل بتقنية MOFs. هذه الأجهزة قادرة على إنتاج كميات ملموسة من الماء النظيف يومياً، وقد تم اختبارها بنجاح في ظروف بيئية متنوعة، بما في ذلك المناطق الصحراوية ذات الرطوبة المنخفضة.
تتواصل الجهود البحثية والهندسية لتحسين كفاءة هذه المواد وتقليل تكلفتها، مما يفتح الباب أمام إنتاج واسع النطاق لهذه الأجهزة. من المتوقع أن تلعب هذه التقنيات دوراً حاسماً في:
- توفير مياه الشرب النقية للمناطق النائية والتي تفتقر إلى مصادر المياه التقليدية.
- دعم الزراعة المستدامة في المناطق القاحلة من خلال توفير مياه الري.
- تقليل الاعتماد على البنية التحتية الكبيرة والمكلفة لتحلية المياه.
- تقديم حلول مرنة يمكن نشرها بسرعة استجابة للكوارث الطبيعية أو الأزمات الإنسانية.
الأهمية والتأثير العالمي
إن عمل البروفيسور عمر ياغي في تطوير تقنيات MOFs لاستخلاص الماء من الهواء يُعد إنجازاً علمياً ذا أهمية عالمية قصوى. فهو لا يقدم فقط حلاً مبتكراً لمشكلة عالمية ملحة، بل يُبرز أيضاً الدور المحوري للبحث العلمي في مواجهة التحديات الكبرى للبشرية. بفضل هذه التقنيات، يمكن لملايين الأشخاص حول العالم الحصول على مياه نظيفة وآمنة، مما يُسهم في تحسين الصحة العامة، ودعم التنمية الاقتصادية، وتعزيز الأمن المائي في المناطق الأكثر تضرراً من الجفاف.





