اضطرابات أمنية في مدغشقر تدفع شركات الطيران لتعليق رحلاتها
في خطوة تعكس تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في مدغشقر، قررت عدة شركات طيران دولية تعليق رحلاتها بشكل مؤقت إلى العاصمة أنتاناناريفو أواخر عام 2023. جاء هذا القرار كإجراء احترازي لضمان سلامة الركاب وأطقم الطائرات، في ظل تصاعد التوترات والاحتجاجات التي سبقت الانتخابات الرئاسية في البلاد، مما أدى إلى عزل الدولة الجزيرة جزئياً وتسليط الضوء على عمق أزمتها الداخلية.

خلفية الأزمة السياسية
تعود جذور التوتر إلى الأزمة السياسية المحيطة بالانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر 2023. حيث أثارت إعادة ترشح الرئيس المنتهية ولايته، أندري راجولينا، جدلاً واسعاً ومعارضة شديدة. تركزت الاعتراضات بشكل أساسي على حصول راجولينا على الجنسية الفرنسية، وهو ما اعتبره خصومه انتهاكاً للدستور يجعله غير مؤهل للمنصب. وقد رفضت المحكمة الدستورية العليا الطعون المقدمة ضده، مما أذكى غضب المعارضة التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات وتنظيم احتجاجات شبه يومية.
شهدت العاصمة أنتاناناريفو، خاصة في الأسابيع التي سبقت الاقتراع، مسيرات ومظاهرات حاشدة قادها تحالف من مرشحي المعارضة. وكثيراً ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مع قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، مما خلق حالة من عدم الاستقرار وانعدام اليقين الأمني في المناطق الحيوية من العاصمة، بما في ذلك الطرق المؤدية إلى المطار الدولي.
تفاصيل تعليق الرحلات الجوية
في ظل هذا المناخ المتوتر، اتخذت شركات طيران كبرى قرارات احترازية بتعليق عملياتها. وكانت هذه الشركات حريصة على تجنب أي مخاطر قد يتعرض لها مسافروها أو طواقمها بسبب الاضطرابات. ومن أبرز الإجراءات التي تم اتخاذها:
- الخطوط الجوية الفرنسية (Air France): أعلنت الشركة عن إلغاء رحلاتها من وإلى مدغشقر، مشيرة إلى أن "الوضع الأمني" لا يسمح بتشغيل الرحلات بشكل آمن.
 - الخطوط الجوية الإثيوبية: قررت الشركة أيضاً تأجيل رحلاتها، وهي التي تُعد من شركات الطيران الرئيسية التي تربط مدغشقر ببقية دول أفريقيا والعالم.
 - طيران أوسترال (Air Austral): قامت الشركة، التي تتخذ من جزيرة ريونيون الفرنسية المجاورة مقراً لها، بتعليق خدماتها مؤقتاً لنفس الأسباب الأمنية.
 
أوضحت الشركات أن هذه القرارات جاءت بعد تقييم دقيق للمخاطر، وأنها تتابع الوضع عن كثب لاتخاذ قرار بشأن استئناف الرحلات حالما تسمح الظروف بذلك. وقد أدت هذه الإلغاءات إلى إرباك كبير في جداول السفر، وتركت العديد من المسافرين، بمن فيهم السياح ورجال الأعمال، عالقين إما داخل مدغشقر أو خارجها.
التداعيات والآثار المترتبة
كان لقرار تعليق الرحلات الجوية تداعيات واسعة تجاوزت مجرد تعطيل حركة السفر. فعلى الصعيد الاقتصادي، شكل القرار ضربة لقطاع السياحة الذي يعتمد عليه اقتصاد مدغشقر بشكل كبير، خاصة وأن هذه الفترة تتزامن عادة مع موسم سياحي مهم. كما أثر على حركة التجارة ونقل البضائع، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على البلاد.
سياسياً، أرسل تعليق الرحلات من قبل شركات دولية رسالة قوية إلى المجتمع الدولي حول خطورة الأزمة في مدغشقر. وقد تزامن ذلك مع إصدار العديد من الحكومات الأجنبية، بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة، تحذيرات سفر لمواطنيها، نصحتهم فيها بتجنب السفر غير الضروري إلى البلاد وتوخي أقصى درجات الحذر في حال تواجدهم هناك. وبهذا، لم تعد الأزمة شأناً داخلياً فقط، بل اكتسبت بعداً دولياً عكس حجم القلق من انزلاق البلاد نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار.





