الاتحاد الإفريقي يعلق عضوية مدغشقر عقب استيلاء الجيش على السلطة
في خطوة حاسمة تعكس موقفه الصارم من التغييرات غير الدستورية للحكومات، قرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في 20 مارس 2009 تعليق عضوية مدغشقر في جميع أنشطة الاتحاد. جاء هذا القرار كرد فعل مباشر على الأزمة السياسية التي بلغت ذروتها باستيلاء زعيم المعارضة آنذاك، أندري راجولينا، على السلطة بدعم من الجيش، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب مارك رافالومانانا. وقد أدخل هذا الحدث الدولة الجزيرة في عزلة دبلوماسية وأزمة اقتصادية استمرت لسنوات.

خلفية الأزمة السياسية
لم تكن الأحداث التي أدت إلى تعليق عضوية مدغشقر وليدة اللحظة، بل كانت نتاج أشهر من التوتر المتصاعد بين الرئيس مارك رافالومانانا وعمدة العاصمة أنتاناناريفو الشاب، أندري راجولينا. بدأت الأزمة تتبلور في أواخر عام 2008، حيث اتهم راجولينا الرئيس رافالومانانا بتبديد الأموال العامة واتباع سياسات قمعية، مستغلاً حالة من السخط الشعبي المتزايد بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وصفقة تأجير أراضٍ زراعية واسعة لشركة كورية جنوبية.
وصل التوتر إلى نقطة الغليان في يناير 2009 عندما أغلقت الحكومة محطة تلفزيونية يملكها راجولينا. وفي المقابل، دعا راجولينا إلى احتجاجات حاشدة ضد الحكومة، والتي تحولت إلى أعمال عنف دامية أسفرت عن مقتل العشرات. ومنذ تلك اللحظة، دخلت البلاد في حالة من الشلل السياسي، حيث أعلن راجولينا نفسه مسؤولاً عن شؤون البلاد، بينما كان رافالومانانا يتمسك بشرعيته كرئيس منتخب.
تفاصيل تغيير السلطة
شكل دعم المؤسسة العسكرية نقطة التحول الحاسمة في الأزمة. فبعد أسابيع من المواجهة، بدأ ولاء الجيش يتحول تدريجياً من الرئيس رافالومانانا إلى المعارضة. وفي منتصف مارس 2009، سيطرت القوات الموالية لراجولينا على مواقع استراتيجية في العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي.
أمام هذا الواقع، وفي 17 مارس 2009، أعلن الرئيس رافالومانانا استقالته، وقام بتسليم السلطة إلى هيئة عسكرية عليا. ولكن، وبشكل شبه فوري، قامت هذه الهيئة بنقل السلطة الرئاسية إلى أندري راجولينا، الذي تم تنصيبه رئيساً لـ "السلطة الانتقالية العليا". اعتبر المجتمع الدولي هذه الخطوة بمثابة انقلاب واضح، حيث تم تجاوز الإجراءات الدستورية المتعلقة بانتقال السلطة بشكل كامل.
رد الفعل الإفريقي والدولي
كان رد فعل الاتحاد الإفريقي سريعاً وقوياً. فبموجب ميثاقه التأسيسي، يرفض الاتحاد أي تغيير غير دستوري للحكومات. وعقب اجتماع لمجلس السلم والأمن، تم الإعلان رسمياً عن تعليق عضوية مدغشقر. وطالب الاتحاد بالعودة الفورية إلى النظام الدستوري وهدد بفرض عقوبات مستهدفة على قادة الانقلاب إذا لم يتم التراجع عن هذه الخطوة.
لم يقتصر الرفض على الاتحاد الإفريقي وحده، بل شمل أيضاً العديد من الشركاء الدوليين. فقد أدانت مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (SADC) والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، هذا الاستيلاء على السلطة. ونتيجة لذلك، تم تعليق المساعدات المالية الدولية الحيوية، وفُرضت عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على النظام الجديد، مما زاد من عزلة البلاد.
التداعيات والمسار نحو الحل
أدت الأزمة السياسية والعقوبات الدولية إلى تدهور حاد في الاقتصاد الملغاشي، حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية وارتفعت معدلات الفقر والبطالة. وعلى مدى السنوات الأربع التالية، خاضت البلاد مفاوضات سياسية ماراثونية بوساطة من مجموعة (SADC) بهدف وضع "خارطة طريق" للخروج من الأزمة وإعادة الشرعية الدستورية.
توجت هذه الجهود الدبلوماسية بالتوصل إلى اتفاق يقضي بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة. وكجزء من الحل، وافق كل من أندري راجولينا ومارك رافالومانانا (الذي كان في المنفى) على عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أواخر عام 2013. وبعد إتمام الانتخابات بنجاح وتنصيب الرئيس الجديد، هيري راجاوناريمامبيانينا، رفع الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية مدغشقر في يناير 2014، منهياً بذلك فصلاً من العزلة استمر قرابة خمس سنوات.
يمثل قرار الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية مدغشقر ثم إعادتها بعد استعادة المسار الديمقراطي، تأكيداً على التزامه بمبادئ الحكم الرشيد ورفضه للاستيلاء على السلطة بالقوة، ويعتبر نموذجاً لكيفية تعامل المنظمة القارية مع الأزمات الدستورية في الدول الأعضاء.




