اغتيال القيادي طالب عبد الله: تصعيد خطير يفتح ملفات التوتر بين إسرائيل ولبنان
دخلت المواجهات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منعطفاً جديداً من التصعيد بعد أن أعلنت إسرائيل في منتصف يونيو 2024 عن اغتيال القيادي البارز في حزب الله، طالب سامي عبد الله، المعروف بـ "الحاج أبو طالب". وجاء هذا الاغتيال، الذي يعتبر الأهم منذ بدء تبادل إطلاق النار في 8 أكتوبر 2023، ليعيد إلى الواجهة المخاوف من اندلاع حرب شاملة، ويسلط الضوء مجدداً على الملفات الشائكة والعالقة التي تحكم العلاقة المتوترة بين البلدين.

من هو طالب عبد الله وما أهمية اغتياله؟
يُعد طالب عبد الله أحد أبرز القادة الميدانيين في حزب الله، حيث كان يتولى قيادة "وحدة النصر" المسؤولة عن العمليات العسكرية في القطاع الغربي من جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني. وبحسب مصادر عسكرية، فإنه القائد الأعلى رتبة في الحزب الذي يتم اغتياله منذ بداية المواجهات الحالية، وتفوق أهميته أهمية القائد وسام الطويل الذي اغتيل في يناير من العام نفسه. وقد استُهدف عبد الله بغارة جوية إسرائيلية دقيقة على منزل في بلدة جويا بقضاء صور، مما أدى إلى مقتله مع ثلاثة عناصر آخرين من الحزب كانوا برفقته.
يمثل اغتيال شخصية بهذا الوزن ضربة قوية لهيكل القيادة الميدانية في حزب الله، ورسالة إسرائيلية واضحة بأنها مستعدة لرفع مستوى عملياتها لاستهداف قادة الصف الأول، وهو ما يغير من قواعد الاشتباك التي سادت لأشهر.
رد حزب الله وتصاعد المواجهات
جاء رد حزب الله على اغتيال قائده سريعاً وقوياً، حيث أطلق أكبر وأوسع هجوم صاروخي له منذ بداية الحرب. ففي الأيام التي تلت الاغتيال، أطلق الحزب مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة الانتحارية باتجاه أهداف عسكرية ومدنية في شمال إسرائيل، طالت مواقع حساسة مثل قاعدة المراقبة الجوية في ميرون ومقرات قيادة الفيلق الشمالي. ووصف حزب الله هذه الهجمات بأنها جزء من الرد على "جريمة الاغتيال"، مؤكداً استعداده لتوسيع نطاق المواجهة إذا ما واصلت إسرائيل تصعيدها. هذا الرد غير المسبوق أثار حالة من الذعر في شمال إسرائيل وأدى إلى اندلاع حرائق واسعة، مما وضع ضغطاً إضافياً على الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع الجبهة الشمالية.
ملفات عالقة تزيد من تعقيد المشهد
أعاد هذا التصعيد الخطير تسليط الضوء على القضايا الجوهرية التي بقيت دون حل لعقود، والتي تمنع التوصل إلى أي استقرار دائم على الحدود. ومن أبرز هذه الملفات:
- تطبيق القرار 1701: الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 لإنهاء الحرب آنذاك، وينص على ضرورة انسحاب جميع الجماعات المسلحة، بما فيها حزب الله، إلى شمال نهر الليطاني. يتهم كل طرف الآخر بانتهاك القرار بشكل مستمر؛ فإسرائيل تواصل خروقاتها الجوية، بينما يحتفظ حزب الله بوجوده العسكري القوي في الجنوب.
- ترسيم الحدود البرية: لا تزال هناك نقاط خلافية على امتداد "الخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة عام 2000، وأبرزها السيادة على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر. وبينما تم إنجاز ترسيم الحدود البحرية، يبقى الملف البري معقداً وحساساً.
- قواعد الاشتباك: منذ أكتوبر 2023، انهارت قواعد الاشتباك الضمنية التي كانت قائمة بين الطرفين، حيث توسعت رقعة الاستهداف جغرافياً وعمقاً، وشملت أهدافاً نوعية، مما رفع من احتمالية الانزلاق إلى حرب واسعة نتيجة أي خطأ في الحسابات من أي من الجانبين.
مستقبل غامض ومخاوف من حرب شاملة
مع اغتيال طالب عبد الله والرد العنيف الذي تبعه، باتت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا لاحتواء الصراع أكثر صعوبة. تتزايد الأصوات داخل إسرائيل التي تطالب بعملية عسكرية واسعة لإنهاء تهديد حزب الله على الحدود الشمالية وإعادة عشرات آلاف المستوطنين الذين تم إجلاؤهم. في المقابل، يربط حزب الله وقف هجماته بوقف شامل لإطلاق النار في قطاع غزة، رافضاً أي حلول جزئية. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يقف لبنان وإسرائيل على حافة الهاوية، حيث باتت خياراتهما محدودة بين مواصلة التصعيد المحسوب والمخاطرة بحرب مدمرة قد لا يرغب فيها أي من الطرفين، ولكن الأحداث الميدانية قد تفرضها عليهما.




