الإرث التاريخي لهيرفي رينارد مع المنتخب السعودي: تأهل للمونديال وتطلعات 2026
شكلت فترة إشراف المدرب الفرنسي هيرفي رينارد على رأس الإدارة الفنية للمنتخب السعودي لكرة القدم مرحلة ذهبية في تاريخ الكرة السعودية، تكللت بتأهل لافت إلى نهائيات كأس العالم 2022 في قطر. ورغم رحيله عن قيادة "الأخضر"، لا يزال إرثه يلقي بظلاله على طموحات المنتخب في المشاركات العالمية المستقبلية، خاصة مع اقتراب موعد كأس العالم 2026 الذي سيشهد توسعًا تاريخيًا في عدد المنتخبات المشاركة.

الخلفية: وصول رينارد وتحدي إعادة البناء
تولى هيرفي رينارد مهمة تدريب المنتخب السعودي في يوليو 2019، خلفًا للمدرب الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي. جاء رينارد، الذي يتمتع بسجل حافل في القارة الإفريقية بفوزه بلقب كأس الأمم الإفريقية مع زامبيا وكوت ديفوار، في وقت كان المنتخب السعودي يمر بمرحلة من عدم الاستقرار، وكانت التوقعات كبيرة لإعادة بناء فريق قادر على المنافسة بقوة في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.
الطريق إلى كأس العالم 2022: رحلة صعبة ومفترقات حاسمة
بدأ المنتخب السعودي تحت قيادة رينارد مشوار التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2022 بثبات. تميز أداء الفريق بالانضباط التكتيكي والروح القتالية، مما مكنه من تحقيق نتائج إيجابية ضد منافسين أقوياء. كانت المرحلة الحاسمة هي الدور الثالث من التصفيات، حيث وقعت السعودية في المجموعة الثانية إلى جانب اليابان وأستراليا وعمان والصين والعراق. تمكن رينارد من بناء فريق متجانس يعتمد على خليط من الخبرة والطاقات الشابة.
من أبرز المحطات في هذه الرحلة كانت المباريات ضد المنتخب العراقي. ففي 11 أكتوبر 2021، تعادل المنتخبان سلبيًا في لقاء الذهاب الذي أقيم في الدوحة. ثم في مباراة الإياب الحاسمة التي جرت في 24 مارس 2022 في جدة، حققت السعودية فوزًا ثمينًا بهدف دون رد سجله المهاجم صالح الشهري، ليضع "الأخضر" قدمًا ثابتة نحو التأهل. تبع هذا الفوز تعادل حاسم ضد أستراليا في 29 مارس 2022، ليضمن المنتخب السعودي تأهله الرسمي إلى المونديال، قبل جولتين من نهاية التصفيات.
الإنجاز التاريخي والتأثير
يُعد تأهل المنتخب السعودي إلى كأس العالم 2022 إنجازًا تاريخيًا لرينارد، حيث كان التأهل السادس للمملكة في تاريخها، والثاني على التوالي بعد نسخة 2018. هذا الإنجاز لم يكن مجرد تأهل رياضي، بل عكس قدرة رينارد على غرس عقلية الفوز والانضباط في اللاعبين. تحت قيادته، أصبح المنتخب السعودي فريقًا يصعب قهره، واستطاع تقديم مستويات رفيعة أمام كبار القارة.
في نهائيات كأس العالم 2022، قدم المنتخب السعودي أداءً مميزًا، كان أبرزه الفوز المفاجئ والتاريخي على الأرجنتين (التي توجت باللقب لاحقًا) بنتيجة 2-1 في افتتاح مشوارهم، وهو ما اعتبر من أكبر المفاجآت في تاريخ البطولة.
رحيل رينارد ومستقبل المنتخب
في مارس 2023، فاجأ هيرفي رينارد الأوساط الكروية بقراره الرحيل عن تدريب المنتخب السعودي لتولي قيادة المنتخب الفرنسي للسيدات. جاء هذا القرار بعد أقل من عام على إنجازه في المونديال، تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا وتساؤلات حول مستقبل "الأخضر". ورغم رحيله، فإن الأسس التي وضعها رينارد، من حيث الانضباط والنهج التكتيكي، تظل مرجعًا للمنتخب السعودي الساعي للحفاظ على مكانته القارية والعالمية.
نظرة على كأس العالم 2026 الموسع
تستعد كرة القدم العالمية لحدث تاريخي في عام 2026، حيث سيقام كأس العالم بمشاركة 48 منتخبًا للمرة الأولى، موزعة على ثلاث دول مضيفة هي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. هذا التوسع سيعني زيادة في عدد المقاعد المخصصة للقارات المختلفة، بما في ذلك قارة آسيا. وفي ظل هذا التطور، فإن الإرث الذي خلفه رينارد من خلال تأهيل السعودية لمونديال 2022، ومستويات الأداء التي قدمها الفريق، يمثل نقطة انطلاق قوية وتطلعات عالية للمنتخب السعودي نحو تحقيق إنجاز جديد بالتأهل لنسخة 2026.
لقد أثبت هيرفي رينارد أن المنتخب السعودي يمتلك القدرة على المنافسة على أعلى المستويات. ويبقى هذا الإنجاز بمنزلة "بوابة" تاريخية تفتح آفاقًا جديدة أمام الجيل الحالي والأجيال القادمة من اللاعبين السعوديين لمواصلة مسيرة التألق، بهدف ترسيخ مكانة السعودية كقوة كروية دائمة الحضور في المحافل العالمية، مستلهمين الدروس من فترة رينارد الناجحة في التحديات الكبرى القادمة، وأبرزها تصفيات كأس العالم 2026.





