أكدت دار الإفتاء المصرية، في توضيح صدر مؤخرًا خلال أوائل مارس 2024، أن الاحتفال بذكرى مولد الأولياء والصالحين هو أمر مستحب شرعًا ومرغوب فيه، وذلك ضمن إطار سعيها لتقديم الإرشاد الديني وتوضيح الأحكام الشرعية للمواطنين. يأتي هذا التأكيد ليجيب على استفسارات متكررة حول مشروعية هذه الاحتفالات التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي والديني في مصر والعديد من المجتمعات الإسلامية.

خلفية تاريخية ودور دار الإفتاء
تعتبر دار الإفتاء المصرية الهيئة الرسمية المنوط بها إصدار الفتاوى الشرعية في مصر، وتستند في فتاواها إلى المذهب السني الوسطي، معتمدة على منهج الأزهر الشريف في فهم النصوص الدينية واستنباط الأحكام. تمثل موالد الأولياء والصالحين ظاهرة اجتماعية ودينية عميقة الجذور في التاريخ الإسلامي، خاصة في مصر، حيث يحتفل الملايين سنوياً بذكرى مولد شخصيات دينية بارزة، مثل السيد البدوي والحسين والسيدة زينب، وغيرهم من الأولياء الذين يُنظر إليهم كرموز للإيمان والتقوى.
الهدف من هذه الاحتفالات يتجاوز مجرد التجمع؛ فهي تُعد مناسبات للتذكير بسيرة هؤلاء الصالحين وعلمهم وأخلاقهم، مما يشكل حافزًا للمسلمين للاقتداء بهم في الخير والورع والتقرب إلى الله. كما أنها غالبًا ما تكون فرصة لتقديم أعمال الخير والصدقات وإطعام الفقراء، وهي ممارسات تشجع عليها الشريعة الإسلامية.
تفاصيل الفتوى والتأصيل الشرعي
تستند فتوى دار الإفتاء حول استحباب الاحتفال بموالد الأولياء والصالحين إلى عدة أسس شرعية. منها:
- القياس على مولد النبي الكريم: ترى دار الإفتاء أن الاحتفال بمولد الأولياء والصالحين يندرج تحت باب القياس على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي يُعد تعبيرًا عن الفرح بوجود النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيرًا بسيرته العطرة. فإذا كان الاحتفال بخير البشر أمرًا محمودًا، فإن الاحتفال بذكرى من سار على نهجه وارتوى من هديه هو كذلك مستحسن.
- تذكر السيرة الصالحة: أكدت الفتوى أن تذكر سيرة هؤلاء الصالحين فيه نفع عظيم للمسلمين، فهو يحفز على التخلق بأخلاقهم والاقتداء بهم في الصلاح والعبادة. هذه السيرة تمثل قدوة حية ومصدر إلهام للتفاني في الطاعات والإحسان إلى الخلق.
- عموم الأدلة على فعل الخير: تشير الفتوى إلى أن الاحتفالات، عندما تتضمن جوانب خيرية مثل إطعام الطعام والتصدق وقراءة القرآن وذكر الله، فإنها تقع ضمن الأعمال الصالحة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية بصفة عامة.
ولكن، شددت الدار على أن هذا الاستحباب مشروط بعدم اشتمال الاحتفالات على أي ممارسات مخالفة للشريعة، مثل الشرك بالله أو المعتقدات الخاطئة في الأولياء، أو الاختلاط المحرم بين الجنسين، أو الإسراف والتبذير، أو الأفعال التي تخرج عن حدود الأدب الشرعي.
الجدل حول الموالد وأهمية التوضيح
على الرغم من شيوع هذه الاحتفالات وتأييد غالبية فقهاء المذهب السني لها، إلا أنها لا تخلو من جدل بين التيارات الفكرية المختلفة. فبعض المدارس الفقهية، خصوصًا السلفية، ترى في هذه الموالد نوعًا من الابتداع في الدين (البدعة) وتحذر منها، معتبرة إياها خروجًا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. يأتي توضيح دار الإفتاء المصرية ليؤكد الموقف الوسطي للأزهر الشريف الذي يدعم هذه الاحتفالات ضمن الضوابط الشرعية، ويرسخ فهمًا يجمع بين المحافظة على التراث الروحي وتجنب المحاذير الشرعية.
التأثير والأهمية
لهذا التوضيح أهمية كبيرة لأنه يوفر مرجعية شرعية واضحة للمسلمين الذين يحرصون على إحياء ذكرى أوليائهم الصالحين، ويدعم استمرارية هذه التقاليد الدينية والاجتماعية التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية لعديد من الشعوب الإسلامية. كما أنه يسهم في تبديد الشكوك حول مشروعية هذه الممارسات، مما يعزز الوحدة والانسجام داخل المجتمع ويدعو إلى فهم متوازن للشريعة الإسلامية يراعي المقاصد والغايات مع الالتزام بالضوابط.
في الختام، تؤكد دار الإفتاء على ضرورة أن تكون هذه الاحتفالات فرصة لتعميق الإيمان، ونشر مكارم الأخلاق، وتزكية النفوس، بعيدًا عن أي ممارسات قد تشوبها شائبة شرعية، لتظل ذكرى الأولياء والصالحين منارة تهدى إلى طريق الله وتقوى القلوب.





