مفتي مصر يؤكد على المكانة الرفيعة للإفتاء ويعتبره مهمة إلهية ووظيفة للأنبياء
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، مجددًا على المكانة المقدسة لمنصب الإفتاء في الإسلام، مشددًا على أنه مهمة إلهية تولاها الله سبحانه وتعالى بنفسه، كما أنها تعد إحدى الوظائف الأساسية للأنبياء والرسل. جاءت هذه التصريحات في سياق جهود دار الإفتاء المصرية لضبط الخطاب الديني وتنظيم عملية إصدار الفتاوى لمواجهة التحديات المعاصرة.

الأصول الإلهية والنبوية للإفتاء
أوضح المفتي أن عملية الإفتاء، أو إصدار الأحكام الشرعية، ليست مجرد رأي شخصي، بل هي مسؤولية عظيمة تستمد شرعيتها ومكانتها من القرآن الكريم. واستشهد بقوله تعالى في سورة النساء: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، معتبراً أن هذه الآية دليل قاطع على أن الله عز وجل هو أول من أفتى، مما يمنح هذا الدور قدسية خاصة ويضع على عاتق المفتي أمانة ثقيلة.
وأضاف فضيلته أن الإفتاء كان جزءًا لا يتجزأ من مهمة الأنبياء، الذين كلفهم الله ببيان أحكام الدين للناس. وأشار إلى قوله تعالى في سورة النحل: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾. وبحسب هذا التفسير، فإن المفتي المؤهل يسير على نهج الأنبياء في توضيح مراد الله وشريعته، مما يتطلب منه علمًا راسخًا وورعًا وتقوى.
مواجهة فوضى الفتاوى
تأتي هذه التأكيدات في إطار استراتيجية أوسع تتبناها المؤسسات الدينية الرسمية، وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية، لمواجهة ما يُعرف بـ "فوضى الفتاوى". يشير هذا المصطلح إلى ظاهرة انتشار الفتاوى الصادرة عن غير المتخصصين أو الجماعات المتطرفة عبر وسائل الإعلام المختلفة والإنترنت، والتي غالبًا ما تسبب البلبلة في المجتمع وتغذي التطرف الفكري.
ترى المؤسسة الدينية أن التأكيد على الأصل الإلهي للإفتاء وربطه بالأنبياء يهدف إلى تعزيز وعي العامة بخطورة هذا المنصب، وتشجيعهم على التماس الفتوى من مصادرها الموثوقة والمؤهلة فقط، وتجنب الآراء الشاذة التي لا تستند إلى منهجية علمية منضبطة.
جهود مؤسسية لتنظيم الإفتاء عالميًا
لم تقتصر جهود دار الإفتاء على الشأن المحلي، بل امتدت لتشمل الساحة الدولية من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها. وقد تكررت تصريحات المفتي المماثلة في مناسبات عدة، أبرزها المؤتمرات الدولية والبرامج التدريبية التي تنظمها الأمانة. على سبيل المثال، خلال المؤتمر العالمي الثامن للأمانة الذي عقد في أكتوبر 2023، تم التركيز على دور الفتوى في مواجهة تحديات العصر الرقمي.
تهدف هذه المبادرات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، منها:
- بناء شبكة عالمية من المفتين والمؤسسات الإفتائية المعتدلة.
- توحيد المناهج وتطوير الأدوات التي يستخدمها المفتون للتعامل مع القضايا المستجدة.
- تدريب وتأهيل المفتين من مختلف دول العالم على أسس علمية سليمة.
- تقديم نموذج مؤسسي منضبط للإفتاء يمكن أن يكون مرجعية للمسلمين حول العالم.
في الختام، تعكس تصريحات مفتي مصر رؤية استراتيجية تسعى إلى حماية منصب الإفتاء من الاستغلال والتسيب، وإعادته إلى مكانته الرفيعة كأداة لبيان صحيح الدين بما يخدم استقرار المجتمعات ويحقق مقاصد الشريعة السمحة.





