الاتحاد الأوروبي يتجه لفرض حظر على "هواوي" و"زد تي إي" في شبكات الاتصالات
تكثف المفوضية الأوروبية جهودها لحث الدول الأعضاء على التخلص التدريجي من معدات شركات الاتصالات الصينية، وبالأخص "هواوي تكنولوجيز" و"زد تي إي"، من بنيتها التحتية لشبكات الهاتف المحمول، لا سيما شبكات الجيل الخامس. يأتي هذا التحرك الأخير في سياق مخاوف أمنية متزايدة بشأن الدور المحتمل لهذه الشركات في التجسس أو تخريب الشبكات، ويشير إلى توجه أكثر حزماً من جانب التكتل الأوروبي في مواجهة ما يعتبره تهديدات لأمنه الرقمي.

الخلفية وتطور المخاوف الأمنية
تعود جذور هذه المخاوف إلى عدة سنوات، حيث بدأت الولايات المتحدة بالضغط على حلفائها في أوروبا وآسيا لحظر شركات مثل هواوي وزد تي إي من تطوير شبكات الجيل الخامس. تركزت الادعاءات على احتمال وجود أبواب خلفية (backdoors) في المعدات المصنعة من قبل هذه الشركات، والتي قد تسمح للحكومة الصينية بالوصول إلى البيانات الحساسة أو تعطيل الشبكات في أوقات الأزمات. على الرغم من نفي هواوي وزد تي إي المتكرر لهذه الادعاءات وتأكيدهما على استقلاليتهما وحرصهما على الأمن السيبراني، إلا أن الشكوك ظلت قائمة، خاصة في ضوء القوانين الصينية التي قد تجبر الشركات المحلية على التعاون مع أجهزة الاستخبارات.
في عام 2020، تبنى الاتحاد الأوروبي ما يُعرف بـ "صندوق أدوات الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني لشبكات الجيل الخامس"، والذي قدم مجموعة من التوصيات للدول الأعضاء لتقييم المخاطر الأمنية للموردين ذوي المخاطر العالية واتخاذ إجراءات لتقليل الاعتماد عليهم. لم يفرض هذا الصندوق حظراً صريحاً على أي شركة، بل ترك القرار للدول الأعضاء، لكنه شدد على ضرورة تنويع الموردين وتطبيق ضوابط صارمة على المعدات في الأجزاء الحساسة من الشبكة. ومع ذلك، كان التقدم في تطبيق هذه التوصيات متفاوتاً بين الدول الأعضاء.
التطورات الأخيرة والضغط المتزايد من المفوضية
مؤخرًا، وبعد مراجعة تنفيذ الدول الأعضاء لـ "صندوق أدوات الجيل الخامس"، وجدت المفوضية الأوروبية أن هناك حاجة لمزيد من الإجراءات الحاسمة. أشار المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تييري بريتون، إلى أن التقدم كان بطيئاً في بعض الدول، وأن الاعتماد على الموردين ذوي المخاطر العالية لا يزال يشكل تحدياً. في خطوة مهمة، صنفت المفوضية الأوروبية نفسها "هواوي" و"زد تي إي" كموردين ذوي مخاطر عالية، ودعت الدول الأعضاء صراحة إلى تطبيق الحظر الكامل في شبكاتها الوطنية. هذا التصنيف من المفوضية يمثل تغييراً في النهج، من مجرد تقديم توصيات إلى اتخاذ موقف أكثر مباشرة وحزماً.
تسعى المفوضية الآن إلى إيجاد آليات قانونية أو مالية، مثل حوافز أو غرامات، لإجبار الدول الأعضاء على الالتزام بهذا التوجه. قد يشمل ذلك حظر استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لدعم البنية التحتية التي تعتمد على هؤلاء الموردين، أو فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بالتعليمات. الهدف هو ضمان توافق جميع الدول الأعضاء في حماية شبكاتها الحيوية من التهديدات المحتملة، والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي الآن "خطراً غير مقبول" على الأمن القومي والتكتل بأكمله.
أسباب المخاوف الأمنية وتأثيرها الاستراتيجي
تستند المخاوف الأمنية حول "هواوي" و"زد تي إي" إلى عدة نقاط رئيسية:
- الربط المحتمل بالحكومة الصينية: رغم نفي الشركات، تثير العلاقة المزعومة بينهما وبين الحكومة الصينية مخاوف بشأن إمكانية إجبارهما على التعاون في جمع المعلومات الاستخباراتية.
- قوانين الأمن الوطني الصينية: تتضمن الصين قوانين تُلزم الشركات والأفراد بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات، مما يجعل من الصعب على أي شركة صينية مقاومة طلبات الحكومة، حتى لو كانت تعمل في الخارج.
- طبيعة شبكات الجيل الخامس: تعتبر شبكات الجيل الخامس العمود الفقري للاقتصاد الرقمي المستقبلي، حيث ستربط كل شيء من الأجهزة المنزلية الذكية إلى البنية التحتية الحيوية. أي نقطة ضعف في هذه الشبكات يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة.
- التخريب المحتمل: بالإضافة إلى التجسس، هناك قلق من أن تتمكن جهة أجنبية من تعطيل هذه الشبكات الحيوية في أوقات الصراع، مما يشكل تهديداً كبيراً للأمن القومي والاقتصادي.
التحديات والآثار المترتبة على القرار
إن تطبيق حظر شامل على "هواوي" و"زد تي إي" لن يخلو من التحديات والآثار الجانبية:
- التكاليف الباهظة: سيتعين على مشغلي الاتصالات استبدال المعدات الموجودة، وهو ما قد يكلف مليارات اليوروهات ويستغرق سنوات. هذه التكاليف قد تنعكس على المستهلكين أو تؤثر على استثمارات الشبكة.
- تأخير نشر شبكات الجيل الخامس: قد تؤدي عملية الاستبدال إلى تأخير في نشر شبكات الجيل الخامس في بعض المناطق، مما يؤثر على التنافسية الرقمية لأوروبا.
- تقليل المنافسة في السوق: بوجود عدد محدود من الموردين الرئيسيين الآخرين (مثل إريكسون ونوكيا)، قد يؤدي إبعاد هواوي وزد تي إي إلى تقليل المنافسة، مما قد يرفع الأسعار ويقلل الابتكار.
- التوترات الجيوسياسية: من المتوقع أن يثير هذا القرار رد فعل قوياً من الصين، التي تعتبره إجراءً تمييزياً ذا دوافع سياسية، مما قد يزيد من التوتر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبكين.
- مقاومة بعض الدول الأعضاء: قد تواجه المفوضية مقاومة من بعض الدول الأعضاء التي لديها استثمارات كبيرة في معدات هواوي وزد تي إي، أو التي تفضل نهجها الخاص في تقييم المخاطر.
في الختام، يعكس تحرك الاتحاد الأوروبي الأخير نحو حظر "هواوي" و"زد تي إي" أولوية متزايدة للأمن السيبراني والسيادة الرقمية على حساب الاعتبارات الاقتصادية قصيرة المدى. ورغم التحديات الكبيرة التي ينطوي عليها هذا القرار، فإنه يؤكد التزام الاتحاد الأوروبي بحماية بنيته التحتية الحيوية في عالم رقمي يزداد تعقيداً وخطورة.



