الانتخابات العراقية: انقسام شيعي حاد بين دعوة الإطار التنسيقي للمشاركة ومقاطعة الصدر
يشهد المشهد السياسي العراقي توترًا حادًا قبيل ساعات من فتح صناديق الاقتراع للانتخابات المحلية، في ظل انقسام عميق داخل البيت الشيعي. فبينما يدعو الإطار التنسيقي، الذي يمثل كتلًا شيعية رئيسية، إلى مشاركة واسعة وفاعلة لضمان استقرار العملية الديمقراطية، يصر الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر وحركته على مقاطعة هذه الانتخابات، مكررًا بذلك موقفه الرافض للنظام السياسي الحالي. هذا التباين الشديد يضع الانتخابات على المحك ويثير تساؤلات حول شرعيتها ومستقبل الاستقرار السياسي في البلاد.

الخلفية التاريخية والسياسية
لطالما اتسم المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003 بتوازن معقد للسلطة على أساس طائفي وعرقي. لعب المكون الشيعي، بصفته الأغلبية، دورًا محوريًا، لكنه شهد انقسامات داخلية متزايدة. برز مقتدى الصدر كشخصية مؤثرة تتمتع بقاعدة شعبية واسعة وقدرة على حشد الشارع، وغالبًا ما تحدى المؤسسة السياسية التقليدية. في المقابل، تشكل الإطار التنسيقي كتحالف يضم معظم الأحزاب الشيعية الكبرى والفصائل المسلحة، ويُنظر إليه غالبًا على أنه يمثل استمرارية للنظام القائم ولديه علاقات أوثق بإيران. تفاقمت التوترات بين الطرفين بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2021، التي فاز فيها التيار الصدري بأكبر عدد من المقاعد لكنه فشل في تشكيل حكومة، مما دفع الصدر إلى سحب نوابه من البرلمان في أغسطس 2022 وفتح الباب أمام الإطار لتشكيل الحكومة الحالية. جاءت الدعوة لانتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر 2023 لإنهاء فترة غياب هذه المجالس التي امتدت لعشر سنوات، في محاولة لإعادة تفعيل الحكم المحلي.
التطورات الأخيرة وموقف الأطراف
مع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع، تصاعدت حدة المواقف بين الكتل الشيعية. أعلن مقتدى الصدر بشكل واضح وثابت مقاطعة حركته للانتخابات، معتبرًا أن المشاركة فيها ستعزز نظامًا فاسدًا وغير قادر على تلبية طموحات الشعب. يرى الصدر أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يأتي من داخل المنظومة الحالية، وأن المقاطعة هي شكل من أشكال الاحتجاج السلمي والضغط من أجل تغيير جذري. في المقابل، كثف الإطار التنسيقي وحلفاؤه حملاتهم الانتخابية، داعين الناخبين إلى المشاركة بكثافة. أكد الإطار على أن هذه الانتخابات ضرورية لتفعيل دور الحكم المحلي وتحسين الخدمات للمواطنين، معتبرًا أن المقاطعة تضعف العملية الديمقراطية وتترك مصير المحافظات في يد أقلية، وشدد على أهمية التعبير عن الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع.
أهمية الخبر وانعكاساته المحتملة
لا يمثل هذا الانقسام مجرد خلاف على المشاركة في انتخابات محلية، بل يحمل تداعيات عميقة على مستقبل العراق السياسي. قد تؤدي المقاطعة الواسعة من قبل أنصار الصدر إلى انخفاض نسبة المشاركة العامة، مما قد يثير تساؤلات حول شرعية مجالس المحافظات المنتخبة وقوة تفويضها الشعبي. كما أنها تعمق الشرخ داخل المكون الشيعي، الذي يُعد العمود الفقري للعملية السياسية في العراق، مما قد يؤثر على الاستقرار الوطني وتوازنات القوى على المدى الطويل. لا تقتصر أهمية هذه الانتخابات على تشكيل الحكومات المحلية وتوزيع الموارد، بل هي مؤشر حاسم على إعادة تشكيل الخارطة السياسية قبل أي انتخابات برلمانية مستقبلية، وتظهر مدى قدرة القوى السياسية على التوصل إلى توافقات أو استمرار حالة الاستقطاب.
ردود الفعل والتوقعات
في حين تابع الكتل السياسية الأخرى، السنية والكردية، هذه التطورات عن كثب، تبدو المواقف الشعبية متباينة. يعبر البعض عن حالة من اللامبالاة أو التشكك في قدرة هذه الانتخابات على إحداث تغيير حقيقي، نظرًا لتجارب الماضي. بينما يرى آخرون في المشاركة فرصة للتغيير والتأثير. من المتوقع أن تسفر النتائج، في غياب المنافسة المباشرة من التيار الصدري، عن تعزيز نفوذ الإطار التنسيقي وحلفائه في مجالس المحافظات، مما قد يمنحهم دفعة قوية في إدارة الشأن المحلي وتوزيع المناصب والموارد. سيكون حجم الإقبال على التصويت هو المؤشر الرئيسي لمدى تأثير دعوة المقاطعة وفعالية حملات الحث على المشاركة، وسيرسم ملامح جديدة للتحالفات والصراعات السياسية في البلاد.




