البنتاغون يقبل تبرعا "مجهول المصدر" لدفع رواتب الجنود
في تطور غير مسبوق خلال أزمة إغلاق الحكومة الأمريكية عام 2013، أعلن البنتاغون في بادئ الأمر عن قبوله تبرعاً سخياً بقيمة 130 مليون دولار أمريكي من مصدر مجهول. كان الهدف من هذا التبرع غير التقليدي هو المساعدة في تغطية رواتب ومزايا أفراد القوات المسلحة الذين تأثروا بتوقف التمويل الفيدرالي. ومع أن الإعلان الأولي أشار إلى نية قبول التبرع، إلا أن التدقيق القانوني والسياسي اللاحق كشف عن تعقيدات كبيرة أدت في النهاية إلى رفضه.

الخلفية: إغلاق الحكومة الفيدرالية وتداعياته على العسكريين
شهدت الولايات المتحدة في أكتوبر 2013 إغلاقاً جزئياً للحكومة الفيدرالية، وهو الأول منذ 17 عاماً، واستمر لمدة 16 يوماً. نجم هذا الإغلاق عن خلافات حادة بين الكونغرس والإدارة حول الميزانية وقانون الرعاية الميسرة (أوباماكير). ترتب على ذلك توقف العديد من الخدمات الحكومية وتسريح مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين مؤقتاً.
على الرغم من أن أفراد القوات المسلحة العاملين في الخدمة الفعلية استمروا في أداء واجباتهم باعتبارهم موظفين أساسيين، إلا أن رواتبهم كانت مهددة بالتوقف بسبب عدم وجود اعتمادات مالية. خلق هذا الوضع قلقاً واسع النطاق بين العائلات العسكرية بشأن استقرارها المالي. ولتخفيف هذه الأزمة، سارع الكونغرس إلى إقرار "قانون دفع رواتب العسكريين" (Pay Our Military Act) الذي ضمن استمرار صرف رواتب الجنود في الخدمة الفعلية وموظفي وزارة الدفاع الأساسيين خلال فترة الإغلاق، لكن ذلك لم يمنع بروز مبادرات فردية وغير تقليدية للمساعدة.
عرض التبرع الاستثنائي والرد الأولي
في خضم هذه الأزمة المالية، تقدم فرد أو كيان لم يكشف عن هويته بعرض تبرع ضخم بلغ 130 مليون دولار لوزارة الدفاع. كان هذا المبلغ مخصصاً خصيصاً لسد الفجوة في رواتب الجنود ومزاياهم. أثار العرض اهتماماً واسعاً، واعتبره البعض بادرة كريمة تبرز تضامن الشعب الأمريكي مع قواته المسلحة في وقت الشدة.
في البداية، أعلن مسؤولون في البنتاغون عن نيتهم في قبول التبرع بعد مراجعته، معربين عن تقديرهم العميق لهذه اللفتة. كان هناك ضغط كبير لإيجاد حلول لأزمة الرواتب، وقد بدا هذا التبرع وكأنه طوق نجاة مؤقت يمكن أن يخفف العبء عن الجنود وعائلاتهم. ومع ذلك، لم يكن الأمر بهذه البساطة من الناحية القانونية والإجرائية.
التعقيدات القانونية والقرار النهائي بالرفض
بعد إعلان النية المبدئية، بدأت وزارة الدفاع بالتشاور مع الخبراء القانونيين ووزارة الخزانة لتقييم مدى قانونية قبول مثل هذا التبرع. واجهت العملية تحديات كبيرة بسبب القوانين الفيدرالية الصارمة التي تحكم التمويل الحكومي.
- قانون عدم النقص (Anti-Deficiency Act): يُعد هذا القانون حجر الزاوية في التمويل الحكومي الأمريكي، حيث يمنع الوكالات الفيدرالية من إنفاق أموال لم يخصصها الكونغرس صراحة، أو قبول تبرعات أو خدمات تطوعية غير مصرح بها قانوناً. كان قبول تبرع الـ 130 مليون دولار يتطلب إطاراً قانونياً خاصاً أو تفويضاً من الكونغرس، وهو ما لم يكن متوفراً لهذه الحالة.
- مخاوف حول الشفافية والسابقة: أثار المصدر المجهول للتبرع تساؤلات حول الشفافية واحتمال وجود دوافع غير معلنة أو محاولات للتأثير على السياسات الحكومية. كما أن قبول مثل هذا التبرع كان من شأنه أن يخلق سابقة خطيرة، حيث قد يشجع كيانات خاصة على تمويل مهام حكومية أساسية، مما قد يقوض مبدأ الفصل بين السلطات والمساءلة الديمقراطية.
بناءً على هذه الاعتبارات القانونية والسياساتية المعقدة، اتخذ البنتاغون في نهاية المطاف قراراً برفض التبرع المجهول المصدر. أوضحت وزارة الدفاع أن قبول الأموال من مصادر خاصة لتمويل العمليات الحكومية الأساسية يتعارض مع المبادئ الدستورية والقوانين المعمول بها، بغض النظر عن النوايا الحسنة وراء العرض.
ردود الفعل والآثار بعيدة المدى
تباينت ردود الفعل على قرار الرفض. ففي حين أعرب البعض عن تفهمهم للضرورات القانونية التي فرضت القرار، شعر آخرون بالإحباط، معتقدين أن أي مساعدة للجنود كانت ستكون موضع ترحيب. ومع ذلك، اتفق الجميع تقريباً على أن الحادثة سلطت الضوء بوضوح على الوضع الصعب الذي يواجهه العسكريون خلال الأزمات الحكومية، وضرورة وجود آليات تمويل مستقرة وموثوقة.
أكدت هذه الواقعة على الأهمية القصوى لدور الكونغرس في تحديد الميزانيات وتخصيص الأموال للوكالات الفيدرالية، بما في ذلك وزارة الدفاع. كما أنها عززت مبدأ أن تمويل الحكومة يجب أن يأتي من مصادر شفافة وخاضعة للمساءلة الديمقراطية، وليس من تبرعات خاصة ومجهولة المصدر، مهما كانت سخية. أظهرت الحادثة أيضاً مدى الدعم الشعبي الكبير للقوات المسلحة، حتى وإن لم تتمكن الحكومة من قبول الدعم المالي غير التقليدي.
في المحصلة، يمثل عرض التبرع المجهول ورفضه اللاحق جزءاً مهماً من تاريخ إغلاق الحكومة عام 2013، حيث كشف عن تعقيدات الإدارة المالية الفيدرالية، وأبرز التوازن الدقيق بين الدعم الشعبي للقوات المسلحة والالتزام بالضوابط القانونية والدستورية في الإنفاق الحكومي.




