الجيش الأمريكي يعيد تأهيل قاعدة عسكرية في الكاريبي بعد عقدين من الإهمال
في خطوة تعكس تحولاً في الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي، قامت القوات الجوية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة بتنفيذ أعمال تحديث وتأهيل كبيرة في منشأة عسكرية كانت مهملة إلى حد كبير في بورتوريكو. هذه المنشأة، التي كانت جزءاً من قاعدة بحرية ضخمة أُغلقت منذ ما يقرب من عقدين، عادت إلى الواجهة وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وتحديداً فيما يتعلق بالوضع في فنزويلا.

خلفية تاريخية: قاعدة روزفلت رودز البحرية
المنشأة التي تشهد أعمال التحديث هي جزء من قاعدة "روزفلت رودز" البحرية السابقة في مدينة سيبا، بورتوريكو. خلال فترة الحرب الباردة، كانت هذه القاعدة واحدة من أكبر وأهم القواعد البحرية الأمريكية في العالم، حيث لعبت دوراً محورياً في مراقبة النشاط السوفيتي في المحيط الأطلسي والبحر الكاريبي، وكانت بمثابة مركز لوجستي وتدريبي حيوي للبحرية الأمريكية. إلا أنه في أعقاب انتهاء الحرب الباردة ومع إعادة هيكلة الميزانيات العسكرية، تضاءلت أهميتها تدريجياً. صدر قرار إغلاق القاعدة بشكل نهائي في عام 2004، وتحولت أجزاء كبيرة منها إلى استخدامات مدنية، بما في ذلك المطار الذي أصبح يحمل اسم خوسيه أكونتي دي لا توري.
التطورات الأخيرة وأعمال التحديث
بدأت أعمال التجديد تكتسب زخماً ملحوظاً في الفترة التي تزامنت مع تفاقم الأزمة في فنزويلا. تولت قيادة العمليات الخاصة بالقوات الجوية الأمريكية (AFSOC) مسؤولية تحديث المطار والبنية التحتية المرتبطة به. شملت الأعمال تحسينات جوهرية على المدرج الرئيسي لتمكينه من استقبال طائرات النقل العسكري الثقيلة مثل C-130 Hercules وغيرها من الطائرات الاستراتيجية. كما تضمنت التحديثات إعادة تأهيل المرافق التشغيلية واللوجستية لدعم انتشار سريع للقوات والمعدات. الهدف من هذه الإجراءات هو تحويل الموقع إلى نقطة انطلاق مرنة وقادرة على دعم مجموعة واسعة من المهام، بدءاً من المساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث، وصولاً إلى العمليات العسكرية المحتملة.
السياق الجيوسياسي: الأنظار تتجه نحو فنزويلا
يأتي توقيت إعادة تأهيل القاعدة في سياق سياسي مشحون. لسنوات، تبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة موقفاً متشدداً تجاه حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مع تصريحات متكررة بأن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة" للتعامل مع الأزمة السياسية والاقتصادية هناك. الموقع الجغرافي لبورتوريكو يجعلها ذات قيمة استراتيجية استثنائية في هذا الصدد، حيث تقع على بعد مسافة قصيرة نسبياً من الساحل الفنزويلي. يرى المحللون أن تحديث القاعدة يوفر للجيش الأمريكي منصة متقدمة تتيح له القدرة على تنفيذ عمليات استطلاع، أو إجلاء، أو حتى تدخل عسكري بشكل أسرع وأكثر فاعلية إذا ما صدر قرار بذلك. ورغم أن المسؤولين الأمريكيين غالباً ما يؤكدون على الأهداف الإنسانية ومكافحة المخدرات، إلا أن البعد العسكري والرسالة السياسية الموجهة إلى كاراكاس وحلفائها لا يمكن إغفالهما.
الأهمية الاستراتيجية وتداعيات الخطوة
تمثل إعادة تنشيط هذه المنشأة العسكرية أكثر من مجرد مشروع بنية تحتية؛ فهي تشير إلى عودة الاهتمام الأمريكي بمنطقة البحر الكاريبي التي كانت تعتبر منطقة ذات أولوية منخفضة بعد نهاية الحرب الباردة. تمنح هذه الخطوة الولايات المتحدة مرونة عملياتية أكبر في منطقة حيوية، وتوفر لها القدرة على الاستجابة السريعة لمختلف التحديات الأمنية. من الناحية الاستراتيجية، فإن وجود قاعدة عمليات قادرة على دعم مهام متنوعة في بورتوريكو يعزز النفوذ الأمريكي ويشكل رادعاً محتملاً لأي أنشطة تعتبرها واشنطن مزعزعة للاستقرار في المنطقة. وفي حين يبقى الهدف المعلن متعدد الأوجه، فإن السياق الجيوسياسي الراهن يضع الأزمة الفنزويلية في قلب الأسباب التي دفعت إلى إحياء هذه القاعدة العسكرية الهامة بعد سنوات طويلة من الإهمال.





