تصاعد التوتر في الكاريبي: حشد عسكري أمريكي وديناميكيات العقوبات الإقليمية
تشهد منطقة البحر الكاريبي خلال الأشهر الأخيرة حالة من التوتر المتصاعد، مدفوعة بنزاع إقليمي تاريخي وتجاذبات سياسية معقدة. يتمحور هذا التصعيد حول النزاع الحدودي بين فنزويلا وغويانا، والذي أدى إلى استعراضات قوة عسكرية من قبل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضغوط اقتصادية ودبلوماسية متشابكة تؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.

خلفية النزاع: نزاع إيسيكويبو
يعود جوهر التوتر الحالي إلى نزاع حدودي طويل الأمد بين فنزويلا وغويانا حول منطقة إيسيكويبو، وهي مساحة شاسعة غنية بالموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز، وتشكل حوالي ثلثي مساحة غويانا. ورغم أن حدود المنطقة قد تم ترسيمها في تحكيم دولي عام 1899، إلا أن فنزويلا لم تعترف به قط وتطالب بالسيادة على الإقليم. تجدد النزاع بقوة بعد الاكتشافات النفطية الهائلة قبالة سواحل غويانا في السنوات الأخيرة، مما زاد من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة.
بلغ التصعيد ذروته في أواخر عام 2023، عندما أجرت حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو استفتاءً شعبيًا للمطالبة بضم الإقليم، تبعته خطوات رمزية لإنشاء ولاية فنزويلية جديدة في المنطقة المتنازع عليها، وهو ما أثار قلقًا دوليًا وإقليميًا واسعًا.
التحرك العسكري الأمريكي
ردًا على التحركات الفنزويلية، أظهرت الولايات المتحدة دعمًا قويًا لغويانا، حليفتها في المنطقة. قامت القيادة الجنوبية للجيش الأمريكي (SOUTHCOM) بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع قوات الدفاع الغويانية في مطلع عام 2024. ووُصفت هذه التدريبات بأنها تأكيد على الشراكة الأمنية بين البلدين والتزام واشنطن بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي. اعتبر العديد من المحللين هذا الحشد العسكري رسالة ردع مباشرة إلى فنزويلا، تهدف إلى منع أي تحرك عدواني محتمل ضد غويانا، مما رفع منسوب التوتر العسكري في منطقة كانت تنعم بالهدوء نسبيًا.
سياسة العقوبات والضغوط الدبلوماسية
على صعيد آخر، تستمر الولايات المتحدة في استخدام سياسة العقوبات كأداة ضغط رئيسية على حكومة مادورو. فبعد أن خففت واشنطن بعض العقوبات المفروضة على قطاع النفط الفنزويلي في أكتوبر 2023 كجزء من اتفاق باربادوس لتشجيع إجراء انتخابات حرة ونزيهة، عادت وهددت بإعادة فرضها. جاء هذا التهديد بعد أن منعت السلطات الفنزويلية مرشحة المعارضة الرئيسية، ماريا كورينا ماتشادو، من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة انتهاكًا للاتفاق. هذه الديناميكية المعقدة للعقوبات تضع ضغطًا اقتصاديًا هائلاً على فنزويلا وتؤثر على المشهد السياسي الإقليمي.
دور القوى الإقليمية وموقف كولومبيا
تلعب القوى الإقليمية أدوارًا متباينة في هذه الأزمة. فقد سعت البرازيل، بقيادة الرئيس لولا دا سيلفا، إلى التوسط وخفض التصعيد بين جارتيها. أما كولومبيا، تحت قيادة الرئيس غوستافو بيترو، فقد اتخذت موقفًا دقيقًا. ففي حين أن بيترو انتقد التحركات الأحادية من قبل فنزويلا، إلا أنه دعا باستمرار إلى الحوار ورفع العقوبات الأمريكية، معتبرًا أنها تضر بالشعب الفنزويلي وتزيد من زعزعة استقرار المنطقة. الموقف الكولومبي يعكس محاولة لتحقيق توازن صعب بين دعم القانون الدولي، والحفاظ على علاقات عملية مع حكومة مادورو، ومعارضة التدخلات الخارجية التي قد تزيد من تعقيد الأزمة. وبالتالي، فإن الحديث عن "عقوبات على بيترو" لا يعكس الواقع، بل يشير إلى خلافات في وجهات النظر السياسية بين بوغوتا وواشنطن حول أفضل السبل للتعامل مع الوضع في فنزويلا.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكمن أهمية هذا التصعيد في أنه يهدد بإشعال صراع في منطقة حيوية لموارد الطاقة العالمية. أي مواجهة عسكرية قد تؤدي إلى تعطيل إمدادات النفط وتداعيات اقتصادية واسعة. على الصعيد الجيوسياسي، يمثل هذا الوضع اختبارًا للنفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية في مواجهة الدعم الذي تتلقاه فنزويلا من خصوم واشنطن مثل روسيا والصين وإيران. ويبقى الخطر الأكبر هو احتمال حدوث سوء تقدير من أي من الأطراف، مما قد يحول التوتر الحالي إلى مواجهة مباشرة يصعب احتواؤها.





