شهدت أسعار الذهب ارتفاعات ملحوظة وغير مسبوقة خلال شهر أكتوبر الماضي، محققاً مكاسب استثنائية جعلته أحد أبرز الأصول أداءً في الأسواق العالمية. جاء هذا الصعود القوي بعد فترة من التراجع، ليعيد المعدن الأصفر إلى دائرة اهتمام المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن في ظل التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية.

أنهى الذهب شهر أكتوبر 2023 محققاً مكاسب شهرية فاقت 7%، مسجلاً أفضل أداء شهري له منذ أواخر عام 2022. تجاوز سعر الأوقية حاجز الألفي دولار في بعض الأحيان، مما يعكس قوة الدفع التي اكتسبها، وإن كان قد تراجع قليلاً دون هذا المستوى بنهاية الشهر.
خلفية الارتفاعات وأسبابها
تعود المكاسب الكبيرة التي حققها الذهب في أكتوبر بشكل أساسي إلى تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر 2023، وما تبع ذلك من مخاوف بشأن اتساع نطاق النزاع وتأثيره المحتمل على الاقتصاد العالمي، دفع المستثمرين بقوة نحو الأصول الآمنة، وفي مقدمتها الذهب.
- تصاعد التوترات الجيوسياسية: أدى الصراع في الشرق الأوسط إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق، مما عزز الطلب على الذهب كملاذ تقليدي ضد المخاطر.
- مخاوف التضخم: على الرغم من جهود البنوك المركزية لكبح التضخم، فإن المخاوف من استمراره أو ارتفاعه مجدداً، خاصة مع اضطرابات محتملة في سلاسل الإمداد أو أسعار الطاقة، ظلت تدعم جاذبية الذهب.
- توقعات أسعار الفائدة: بدأت بعض التوقعات تشير إلى احتمال تباطؤ وتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أو حتى توقفها، مما قد يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً.
- ضعف الدولار الأمريكي: شهد الدولار الأمريكي بعض التراجع في أواخر أكتوبر، وهو ما جعل الذهب المسعر بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى.
تطورات السوق وتأثيرها
لم تكن بداية شهر أكتوبر مبشرة للذهب، حيث استمر في التداول تحت ضغط ارتفاع عوائد السندات الأمريكية وقوة الدولار. إلا أن التحول جاء بشكل دراماتيكي بعد اندلاع الأحداث في الشرق الأوسط. فمع كل تصعيد في الأوضاع، كان الذهب يستجيب بارتفاعات سريعة، مما يؤكد دوره كمؤشر حاسم للمخاطر العالمية.
كانت شهية المستثمرين للمخاطرة قد تراجعت بشكل كبير، وتحول التركيز نحو الحفاظ على رأس المال في بيئة غير مستقرة. هذا التحول في المعنويات عزز من تدفقات الاستثمار إلى صناديق الذهب المتداولة والمشتقات، بالإضافة إلى زيادة الطلب الفعلي على السبائك والعملات الذهبية.
ماذا تعني هذه المكاسب للمستقبل؟
تعتبر مكاسب الذهب في أكتوبر مؤشراً واضحاً على مدى حساسية الأسواق تجاه الأحداث الجيوسياسية الكبرى. إنها تذكير بقيمة الذهب كأداة للتحوط ضد عدم اليقين، وليس فقط كأصل استثماري لتحقيق العوائد.
ينظر المحللون إلى هذه الارتفاعات كعامل داعم لأسعار الذهب على المدى المتوسط، طالما استمرت حالة عدم الاستقرار في المشهد العالمي. ومع ذلك، فإن مسار الذهب المستقبلي سيعتمد أيضاً على عدة عوامل، منها تطورات الصراعات الجيوسياسية، وسياسات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة، وتقارير التضخم العالمية، وقوة الدولار الأمريكي. يبقى الذهب في بؤرة اهتمام المستثمرين، مؤكداً مكانته كأحد أهم الملاذات الآمنة في أوقات الأزمات.





