السيناتور الأمريكي روبيو يبحث تشكيل قوة دولية لحفظ السلام في غزة
في ظل النقاشات الدولية المتزايدة حول مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الصراع الحالي، طرح السيناتور الأمريكي البارز ماركو روبيو مقترحاً لتشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات لحفظ السلام في القطاع. جاءت تصريحات روبيو خلال زيارة قام بها إلى إسرائيل في منتصف مايو 2024، حيث قدم رؤيته لمرحلة "اليوم التالي" في غزة، مشدداً على ضرورة وجود ترتيبات أمنية جديدة تضمن الاستقرار وتمنع عودة حماس إلى السلطة.

تفاصيل المقترح الأمريكي
يقوم المقترح الذي عرضه السيناتور روبيو، وهو عضو بارز في لجنتي العلاقات الخارجية والاستخبارات بمجلس الشيوخ، على فكرة إنشاء قوة أمنية تكون نواتها الأساسية من دول عربية. ووفقاً لرؤيته، لن تشارك الولايات المتحدة بقوات برية في هذه المهمة، بل سيقتصر دورها إلى جانب الدول الأوروبية على تقديم الدعم اللوجستي والمالي والاستخباراتي.
الهدف الأساسي لهذه القوة هو ملء الفراغ الأمني الذي قد ينشأ بعد انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى. وتشمل مهامها المقترحة ما يلي:
- ضمان الأمن والاستقرار داخل قطاع غزة.
- منع أي محاولة من حركة حماس أو فصائل أخرى لإعادة بناء قدراتها العسكرية والسيطرة على القطاع.
- توفير بيئة آمنة تسمح ببدء جهود إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات الإنسانية بفاعلية.
- الإشراف على مرحلة انتقالية يتم خلالها تأسيس هيئة حكم فلسطينية جديدة ومقبولة لإدارة شؤون القطاع.
وأكد روبيو أن تطبيق هذا المقترح مشروط بتحقيق إسرائيل لأهدافها العسكرية المعلنة، وفي مقدمتها تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس بشكل كامل.
السياق والخلفية السياسية
يأتي هذا المقترح في وقت حرج، حيث تضغط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل وضع خطة واضحة لمستقبل غزة، وهو ما قوبل بتردد من الحكومة الإسرائيلية الحالية. تطرح الإدارة الأمريكية فكرة تولي "سلطة فلسطينية متجددة" زمام الأمور في غزة، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل قاطع، الذي يصر على احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الشاملة على القطاع لمنع تكرار هجمات مماثلة لهجوم 7 أكتوبر.
مقترح روبيو يقدم نفسه كحل وسط أو "خيار ثالث" بين السيطرة الإسرائيلية الكاملة وعودة السلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية التي يعتبرها الكثيرون، ومنهم روبيو، غير قادرة على إدارة القطاع بفاعلية. ومن خلال إشراك الدول العربية في قيادة القوة، يسعى المقترح إلى منح الترتيبات الأمنية الجديدة شرعية إقليمية وتخفيف العبء عن إسرائيل والولايات المتحدة.
الأهمية والتحديات المحتملة
تكمن أهمية هذا الطرح في أنه يعكس تفكيراً داخل دوائر صنع القرار الأمريكية، بما في ذلك الحزب الجمهوري، للبحث عن حلول عملية تتجاوز الخيارات المطروحة حالياً. كما أن تقديمه خلال زيارة ضمت سيناتور من الحزب الديمقراطي، جاكي روزن، يشير إلى وجود درجة من التوافق بين الحزبين على ضرورة إيجاد بديل قابل للتطبيق.
لكن المقترح يواجه تحديات كبيرة قد تعرقل تحقيقه، أبرزها:
- موقف الدول العربية: أبدت دول عربية كبرى مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات تردداً واضحاً في إرسال قوات إلى غزة. وتربط هذه الدول أي مشاركة في الترتيبات الأمنية بوجود مسار سياسي واضح وموثوق يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما لا يبدو متوفراً في الأفق حالياً.
- القبول الإسرائيلي: على الرغم من أن المقترح قد يكون أفضل من خيار السلطة الفلسطينية بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، إلا أن فكرة وجود قوات عربية مسلحة على حدودها قد تثير مخاوف أمنية وسياسية داخل إسرائيل.
- التمويل والتفويض: لا تزال تفاصيل تمويل مثل هذه القوة وتحديد نطاق صلاحياتها وتفويضها الدولي (هل سيكون عبر الأمم المتحدة أم ترتيب إقليمي؟) غامضة.
- الرفض الفلسطيني: من المرجح أن تواجه هذه الفكرة رفضاً من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية، التي قد تعتبرها شكلاً من أشكال الوصاية الخارجية ومحاولة لتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
في الختام، يمثل مقترح السيناتور روبيو إضافة هامة إلى بنك الأفكار المتعلقة بمستقبل غزة، محاولاً إيجاد أرضية مشتركة بين مواقف الأطراف المختلفة. ومع ذلك، يبقى تحويله إلى واقع ملموس رهناً بتجاوز عقبات سياسية ودبلوماسية معقدة، وفي مقدمتها الحصول على موافقة الأطراف الرئيسية في المنطقة للمشاركة في مهمة محفوفة بالمخاطر.





